وقد أنعم الله على عباده بتلك النعم كلها ، وظهرت بها قدرته القاهرة ، وإبداعه ، وإنعامه وهو المستجيب في السراء والضراء ، والمنقذ في المدلهمات ، وما يكرث العباد ؛ ولذا ختم الكلام في نعمه بقوله تعالى:{ وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ( 34 )} .
( الواو ) عاطفة على{ خلق} في قوله تعالى:{ السموات والأرض} فكلها نعم مترادفة متوالية جامعة ، بعضها مع بعض أو تالى لبعض ،{ وآتاكم من كل ما سألتموه} ، فيها قراءتان إحداهما من غير تنوين في ( كل ) ، بل كل مضاف إلى ما بعدها:وقرئ بالتنوين ، ولها إضافة و ( ما ) في{ ما سألتموه} اسم موصول بمعنى ( الذي ) أو نافية .
ومن في قوله:{ من كل} إما تبعيضية ، وإما مؤكدة لاستغراق الحكم زائدة في الإعراب ، والمعنى على أنها تبعيضية على قراءة الإضافة ، وآتاكم بعض ما سألتموه ، أما ما احتججتم إليه ، وكانت حاكم حال من يسأله إياه ، وإن لم يسأل باللسان بل سأله بالاستعداد والتكوين ، فأعطاكم الكساء والغطاء واللباس والوقاية ، ومكنكم من أن تتسلحوا ضد من يغير عليكم من سباع الأرض حيوانات أو أناسى ، وغير ذلك ، والبعضية بعضية أنواع أي بإعطاء بعض كل نوع من الأنواع تسألونه بمقتضى الفطرة والتكوين والحاجة الفطرية ، وعلى أن{ من} بيانية ، يكون المعنى أعطاكم كل ما سألتموه بمقتضى الاستعداد والفطرة على ما بينا ، وإن ذلك واضح جمع فيه لين الكلية في كل – ومعنى العطاء .
وعلى قراء التنوين:يكون ثمة مضاف محذوف دل عليه التنوين ، والمعنى آتاكم من ( كل ) شيء سألتموه ، أي بمقتضى أصل التكوين ، وتكون القراءتان متلاقيتين على تخريج{ من} بأنها بيانية .
ولا أرى موجبا أو داعيا لأن نقول:إنها نافية ، والله أعلم .
وإن هذه وما سبقها من نعم هي نعم الإنشاء والإبقاء ، فقد أنعم بالإنشاء وأنعم سبحانه وتعالى بالإبقاء مستمكنا من كل شيء حتى يكون اليوم الآخر يوم الجزاء لمن شكر بالنعيم المقيم ، ولمن كفر بالعذاب الأليم .
وقد أشار سبحانه إلى أن الإنسان يكفر النعمة ظلما ، كما قال تعالى في آية أخرى:{. . .وقليل من عبادي الشكور ( 13 )} [ سبأ] .
وقد قال تعالى:{ إن الإنسان لظلوم كفار} ظلوم صيغة مبالغة من الظلم ، أي أنه ظالم أبلغ الظلم بظلم نفسه بالكفر وغمط حق غيره ، والاعتداء على الناس وعلى الحقائق ، والاعتداء بعبادة الأوثان ، و{ كفار} صيغة مبالغة في الكفر ، وهو كفر النعمة وعدم شكرها ، بل اتخاذها سبيلا لعتوه واستكباره وفساده في الأرض ، وقد أكد الله تعالى ظلم الإنسان ب "إن"، وب "اللام"وبصيغة المبالغة في الظلم ، وكفر النعمة ، والله محيط بالكافرين .