دعاء أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام
قال تعالى:
وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد ءامنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ( 35 ) رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ( 36 ) ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ( 37 ) ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ( 38 )
هذا دعاء أبي العرب ومن يتشرفون بالانتساب إليه وهو باني البيت ، وأول دعائه ما يتعلق بالبيت العتيق الذي كان أول بيت وضع للناس .
أول دعائه إلى الأرض في البيت ،{ رب اجعل هذا البلد آمنا} والبلد هو مكة المكرمة ، زادها الله تعالى تشريفا ، وقوله تعالى:{ آمنا} أي ذا أمن"؛ لأن الأمن للسكان لا للمكان ، ومعنى الأمن لا اعتداء فيه ، ووصف المكان بالأمن ، فيه بيان سيادة الأمن ، فالمكان لا اعتداء فيه ، وهو مقدس ، وقد أجاب الله تعالى دعاءه وكان فضلا من الله على العرب ، كما قال تعالى:{ أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ( 67 )} [ العنكبوت] .
والجزء الثاني من الدعاء أنه دعا ربه مبتهلا إليه أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام فقال تعالى حاكيا دعاءه:{ واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} دعا عليه السلام لنفسه ولبنيه أن يجنبهم عبادة الأصنام ، فقوله تعالى:{ أن نعبد الأصنام} فيه{ أن} وما بعدها ، مصدر وهو عبادة الأصنام ، وذكر الفعل المضارع لتصوير عبادة الأصنام ، وفي ذلك إشارة إلى قبحها وبعدها عن المعقول .
وقول إبراهيم:{ وبني} واضح أنه لا يشمل الذرية كلها لدلالة اللفظ على ذلك ؛ ولأن الإجابة لم تكن للذرية كلها ، فقد كان من هذه الذرية من عبد الأصنام ، بدليل هؤلاء الذين نظر فيهم القرآن ، وخاطبهم محمد صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى أن يعبدوا الله وحده لا يشركون به شيئا ، فالله تعالى لم يكن في إجابته سبحانه وتعالى ما يعم الذرية كلها .
ولقد كان إبراهيم عليه السلام الذي كان أبوه صانع أصنام ، والذي ابتدأ حياته بحطم الأصنام ، والذي قال:{ وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين ( 87 ) فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم . . .( 58 )} [ الأنبياء] .