عطف على جملة{ ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً}[ إبراهيم: 28] فإنهم كما بدّلوا نعمة الله كفراً أهملوا الشكر على ما بوأهم الله من النعم بإجابة دعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام ،وبدلوا اقتداءهم بسلفهم الصالح اقتداءً بأسلافهم من أهل الضلالة ،وبدلوا دُعاء سلفهم الصالح لهم بالإنعام عليهم كفراً بمفيض تلك النّعَم .
ويجوز أن تكون معطوفة على جملة{ الله الذي خلق السموات والأرض} بأن انتقل من ذكر النعم العامة للناس التي يدخل تحت مِنتها أهل مكة بحكم العموم إلى ذكر النعم التي خص الله بها أهل مكة .وغير الأسلوب في الامتنان بها إلى أسلوب الحكاية عن إبراهيم لإدماج التنويه بإبراهيم عليه السلام والتعريض بذريته من المشركين .
( وإذا ) اسم زمان ماض منصوب على المفعولية لفعل محذوف شائع الحذف في أمثاله ،تقديره: واذكر إذ قال إبراهيم ،زيادة في التعجيب من شأن المشركين الذي مر في قوله:{ ألم تر إلى الذين بدلّوا نعمة الله كفراً} ،فموقع العبرة من الحالين واحد .
و{ رب} منادى محذوف منه حرف النداء .وأصله ( ربي ) ،حذفت ياء المتكلم تخفيفاً ،وهو كثير في المنادى المضاف إلى الياء .
والبلد: المكان المعين من الأرض ،ويطلق على القرية .والتعريف في{ البلد} تعريف العهد لأنه معهود الحضور .و{ البلد} بدل من اسم الإشارة .
وحكاية دعائه بدون بيان البلد إبهام يرد بعده البيان بقوله:{ عند بيتك المحرم}[ سورة إبراهيم: 37] ،أو هو حَوالة على ما في علم العرب من أنه مكة .وقد مضى في سورة البقرة تفسير نظيره .والتعريف هنا للعهد ،والتنكير في آية البقرة تنكير النوعية ،فهنا دَعَا للبلد بأن يكون آمنا ،وفي آية سورة البقرة دَعَا لِمشار إليه أن يجعله الله من نوع البلاد الآمنة ،فمآل المفادين متحد .
{ واجنبني} أمر من الثلاثي المجرد ،يقال: جنبه الشيء ،إذا جعله جانباً عنه ،أي باعده عنه ،وهي لغة أهل نجد .وأهلُ الحجاز يقولون: جنبه بالتضعيف أو أجنبه بالهمز .وجاء القرآن هنا بلغة أهل نجد لأنها أخف .
وأراد ببنيه أبناء صلبه ،وهم يومئذٍ إسماعيل وإسحاق ،فهو من استعمال الجمع في التثنية ،أو أراد جميع نسله تعميماً في الخير فاستجيب له في البعض .
والأصنام: جمع صنم ،وهو صورة أو حجارة أو بناء يتخذ معبوداً ويُدعى إلهاً .وأراد إبراهيم عليه السلام مثل ودَ وسواععٍ ويغوثَ ويعوقَ ونَسْرٍ ،أصنام قوم نوح .ومثل الأصنام التي عبدها قوم إبراهيم .