ولقد أمر الله تعالى نبيه أن ينذر الناس بهذا اليوم الذي ذكر فزع الناس فيه فقال تعالى:{ وأنذر يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} .
الكافر مادي لا يؤمن إلا بما يرى ويحس ، فما لم يحسه لا يؤمن به ، وليس عنده نفاذ بصيرة يعي به ما لم يدرك وما لم يره ؛ ولذا كان من أوصاف أهل الإيمان أنهم يؤمنون بالغيب وهم بالآخرة هم يوقنون ، يرون الناس يموتون ويحيون ، فيعلمون أن الحياة لغاية وأن الموت ابتداء نهاية .
ولذا كان أول إنذار هو الإنذار بالعذاب الأليم في يوم القيامة ، وهذا قوله تعالى:{ وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب} الإنذار:التخويف ، وهو يتعدى إلى مفعولين الأول{ الناس} ، والثاني{ يوم} .
والإنذار متجه لما يجري في هذا اليوم من حال تقشعر من هولها الأبدان ، إذ تكون أبصارهم فيها شاخصة ، خوف العذاب الأليم الذي هو في ذاته هول أكبر ، ولكن جعل التخويف لليوم من إطلاق اسم المحل وإرادة الحال ، وإنه لشديد تضطرب له نفوس أهل النار{ فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب} الفاء هنا لبيان أن ما قبلها سبب لما بعدها فيما فيه من هول شديد ، وما فيه من جحيم{ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ( 71 )} [ مريم] ، يكون سببا لأن يطلبوا الرجعة إلى الدنيا ، وقد قالوا:{ أخرنا إلى أجل قريب} إلى زمن قليل ، وعبر عنه بالقريب ما بين طرفيه أوله ومنتهاه ، وهذا كقولهم فيما يحكى الله تعالى عنهم:{. . .ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ( 12 )} [ السجدة] ، وكقولهم فيما حكى سبحانه عنهم:{. . .ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل . . .( 37 )} [ فاطر] .
وقوله تعالى:{ نجب دعوتك} وهي دعوة التوحيد ، وألا يشركوا بالله شيئا وما جاء به القرآن وغيره من كتب السماء ، ومن شرائع ،{ ونتبع الرسل} ، أي لا نستكبر عليهم ولا نتعالى ونتسامى عليهم ، بل لنكون لهم تبعا .
فيقول الملائكة بأمر الله تعالى مبكتا مذكرا لهم كفرهم:{ أو لم تكونوا أقستم من قبل ما لكم من زوال} ، وقوله تعالى:{ أو لم تكونوا أقسمتم} ، ( الواو ) عاطفة على ما قبلها ، والهمزة للاستفهام الإنكاري الذي فيه إنكار الواقع ، والاستفهام داخل على النفي ونفي النفي إثبات على معنى التوبيخ ، والمعنى لقد أقسمتم من قبل مغترين على الله تعالى جاهلين لأنفسكم ، ولمجرى الحياة{ ما لكم من زوال} ، أي ليس لكم أي زوال ، وإنهم في الحقيقة كما يظهر من مجرى أمورهم أنهم كانوا لا ينكرون الموت ، ولكن ينكرون الحياة بعد الموت ويقولون:{. . .أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد . . .( 5 )} [ الرعد] .
ولكن لأنهم عتاة غاشمون لا يرعون إلا ولا ذمة ، وقد اغتروا بالحياة الدنيا وغرهم بالله الغرور ، يعملون كأنهم لا يموتون ولا يفنون ، وأنهم في الدنيا خالدون .
وقد فسر بعض العلماء أن المراد من الزوال المنفي أنهم لا يزولون ثم يبعثون ، وهذا تفسير مجاهد تلميذ ابن عباس ترجمان القرآن ، كما سماه عبد الله ابن مسعود ، ويكون المعنى على هذا التفسير:ما لكم من زوال من هذه الدنيا تنتقلون من بعده إلى الآخرة .