ولقد ضرب الله مثلا من ذلك فرعون مع موسى فقال تعالى:
{ ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ( 101 )} .
( الواو ) واصلة الكلام بما قبله ، وهي عاطفة جملة على جملة ، و{ آتينا} معناها أعطيناه حجة ودليلا{ تسع آيات} ، أي معجزات بينات في دلالتها على رسالة موسى إلى فرعون وبني إسرائيل ، وتلك الآيات التسع كما ذكرها ابن عباس إجمالا فيما روى عنه هي:العصا التي لقفت ما ألقاه السحرة إذ أمره بأن يلقى السحرة حبالهم وعصيهم ،{ فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون ( 45 )} [ الشعراء] ، واليد إذ قال الله تعالى:{ واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى ( 22 )} [ طه] ، كما قال تعالى:{ فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ( 133 )} [ الأعراف] ، والآية الثامنة أنه سبحانه وتعالى أخذهم بالجدب والسنين الشديدة ، التي يقل الخير والثمر ، ولذا قال تعالى:{ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ( 130 )} [ الأعراف] .
والآية التاسعة ، فلق البحر ، وفتح الطريق لبني إسرائيل ، وكان عليهم أن يعتبروا بهذه الآية ، ولكنهم اغتروا فاتخذوا الشق سبيلا ليتبعوا بني إسرائيل ، فاتبعوهم فكانوا من المغرقين .
هذه آيات ، واجه موسى بها فرعون ،{ فسأل بني إسرائيل إذ جاءهم} ، أي إذ واجه بها موسى فرعون{ فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا} ، أي أنه بدل أن يذعن بها ويؤمن بالحق إذ جاءته بينات ، كابر واستمر في غيه ، وضلاله القديم وما أجدت تلك الآيات الحسية شيئا ، بل قال مؤكدا ،{ إني لأظنك} الظن هنا العلم ، وقد أكد علمه بسحر موسى ب "إن"و"اللام"و{ مسحورا} قال الفراء والزجاج:إنها بمعنى ساحر ، وأقول:إن معناها بمعنى مفعول لأن معناها أنك فيما تدعيه مسحور ، أي مخدوع أو مخيل لك ، فأنت لا تقول الحق ، بل إنك واهم .
أجابه موسى عليه السلام مستيقنا بما يقول ، ومبينا له أنه يناقض حسه بما زعم من أنه مسحور أو واهم .