{ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إنّي لأظنّك يا موسى مسحورا ( 101 ) قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنّك يا فرعون مثبورا ( 102 ) فأراد أن يستفزّهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا ( 103 ) وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ( 104 )}
المفردات:
بيّنات: أي: واضحات .
مسحورا: أي: مخبول العقل .
/م101
التفسير:
101-{ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ...}
أي: ولقد أعطينا موسى تسع آيات واضحات الدلالة على صحة نبوته وصدقه ،حين أرسل إلى فرعون وقومه فلم يؤمنوا بها ،كما قال تعالى:{فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين} .( يونس: 75 ) وقال:{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ...} ( النمل: 14 ) .
وقد ذكر سبحانه في كتابه العزيز ست عشرة معجزة لموسى عليه السلام .
تتمثل فيما يلي:
1- انقلاب العصا حية .
2- تلقف الحية حبالهم وعصيهم على كثرتها .
3- اليد البيضاء .
8 ،7 ،6 ،5 ،4- الطوفان ،والجراد ،والقمل ،والضفادع والدم{[500]} .
9- شق البحر .{[501]}
10- انفلاق الحجر في قوله:{فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتى عشرة عينا ...} ( البقرة: 60 ){[502]} .
11- إظلال الجبل في قوله:{وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلّة ...} ( الأعراف: 171 ) .
12- إنزال المن والسلوى عليه وعلى قومه{[503]} .
14 ،13- الجدب ،ونقص الثمرات في قوله:{ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون} ( الأعراف: 130 ) .
15- الطمس على أموالهم من الحنطة والدقيق والأطعمة{[504]} .
16- إزالة العقدة من لسان موسى ،أي: أهب الله العجمة عن لسانه وصار فصيحا ،وقد اختلفوا في المراد من هذه الآيات التسع .
جاء في تفسير النيسابوري وابن جرير الطبري من طرق عدة عن ابن عباس: أن الآيات التسع هن: العصا ،واليد ،والجراد ،والقمل ،والضفادع ،والدم ،والحجر ،والبحر ،والطور الذي نتقه على بني إسرائيل .
وعن الحسن: الطوفان والسنون ونقص الثمرات مكان الحجر والبحر والطور{[505]} .
وقيل: المراد بالآيات: الأحكام فقد أخرج الإمام أحمد والبيهقي والطبراني والنسائي وابن ماجة أن اليهوديين قال أحدهما لصاحبه ؛انطلق بنا إلى هذا النبي فنسأله ،فأتاه صلى الله عليه وسلم فسألاه عن قول الله تعالى{ولقد آتينا موسى تسع آيات بيّنات ...} فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تشركوا بالله شيئا ،ولا تزنوا ،ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ،ولا تسرقوا ،ولا تسحروا ،ولا تأكلوا الربا ،ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ؛ليقتله ولا تقذفوا محصنة ،وأنتم يا يهود عليكم خاصة ألا تعدوا في السبت ) فقبلا يده ورجله وقالا: نشهد أنك نبي قال: فما يمنعكما أن تسلما ؟قالا: إن داود دعا ألا يزال من ذريته نبي ،وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود .
قال الإمام فخر الدين الرازي: هو أجود ما قيل في الآيات التسع .وقال الشهاب الخفاجي: وهذا هو التفسير الذي عليه المعول في الآية .
ورأى أن عد الأحكام من الآيات البينات فيه بعد ؛لأن كل رسالة سماوية تشتمل على أحكام وآداب .
فلماذا خص الله موسى بتسع آيات ؟
الراجح أنها معجزات أيد الله بها موسى ،وقد أيد الله موسى بأكثر من تسع آيات ،فعد بعض المفسرين جانبا منها وترك بعضهم جانبا آخر .
إلا أن تخصيص العدد بالذكر لا يقدح في الزيادة عليه هكذا قال الأصوليون: ولكن الذوق يأبى ألا يكون للتخصيص فائدة والذي يدور في خلدي أن سبب التخصيص هو أن مرجع معجزاته إلى تسعة أنواع كالسنين ونص الثمرات مثلا فإنهما نوع واحد{[506]} والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم يمكن أن تكون آية واحدة تشمل ألوانا من العذاب عذب الله بها أهل مصر ،ليفكروا جديا في صدق رسالة موسى .
{فاسأل بني إسرائيل} .والخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم والسؤال سؤال استشهاد لمزيد الطمأنينة والإيقان ؛لأن الأدلة إذا تظاهرت كان ذلك أقوى وأثبت والمسئولون هم مؤمنو بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وأصحابه .
{إذ جاءهم{[507]} فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا}{[508]} .
أي: فذهب موسى إلى فرعون وأظهر آياته ودعاه بالإيمان بالله ولإرسال بني إسرائيل معه ،فقال له فرعون ؛إني لأظنك يا موسى مخلص العقل ،ومن ثم ادعيت ما دعيت ،مما لا يقول مثله كامل العقل حصيف الرأي ،وهذا كقوله:{إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون} .( الشعراء: 27 ) .