/م90
المفردات:
خشية الإنفاق: أي: خوف الفقر .
قتورا: أي: مقترا بخيلا ،يقال: قتر عليه ،يقتر ،قترا ،وقتر أي: ضيق عليه .
التفسير:
100-{قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربّي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا} .
المراد من الإنفاق هنا: الفقر ،يقال: أنفق فلان إذا افتقر ،وقال أبو عبيدة: أنق ،وأملق ،وأعدم ،وأصرم ،بمعنى: أي: قل لهم أيها الرسول: إنكم لو تملكون التصرف في خزائن الله ؛لأمسكتم خشية الفقر: أي: خشية أن تزول وتذهب مع أنها لا تفرغ ولا تنفد أبدا .
{وكان الإنسان قتورا} .أي بخيلا شحيحا ،والقتر ،والإقتار ،والتقتير: هو التقصير في الإنفاق .
قال النيسابوري:
وهذا الخبر لا ينافي ما قد يوجد في الناس ممن هو كريم جواد ؛لأن اللام في الإنسان للجنس أي: هذا الجنس من شأنه الشح ،إذا كان باقيا على طبعه ؛لأنه خلق محتاجا إلى ضرورات المسكن والملبس والمطعوم والمنكوح ،ولا بد له في تحصيل هذه الأشياء من المال ،فبه تندفع حاجاته وتتم الأمور المتوقفة على التعاون ،فلا جرم يحب المال ويمسكه لأيام الضرورة والفاقة ،ومن الناس من يحب المال محبة ذاتية لا عرضية ،فإذا الأصل في الإنسان هو البخل .والجود منه إنما هو أمر تكلفي أو عرضي ؛طلبا للثناء أو الثواب .وقيل: المراد بهذا ،الإنسان المعهود السابق ،ممن قالوا: لن نؤمن لك ؛حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ...فبيّن الله تعالى: أنهم لو ملكوا خزائن الأرض ؛لبخلوا بها{[497]} .
وقال ابن كثير:
إن الله تعالى يصف الإنسان من حيث هو إلا من وفقه الله وهداه ،فإن البخل والجزع والهلع صفة له ،كما قال تعالى:{إن الإنسان خلق هلوعا .إذا مسّه الشرّ جزوعا .وإذا مسّه الخير منوعا .إلا المصلّين} ( المعراج: 22 ،19 ) .
وشبيه بهذه الآيات قوله سبحانه:
{أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا} .( النساء: 53 ) .
أي: لو أن لهم نصيبا في ملك الله ؛لما أعطوا أحدا شيئا ولا مقدار نقير ،وقد جاء في الصحيحين: ( يد الله ملأى لا يغيضها نفقة ،سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه ){[498]} .
وجاء في تفسير الخطيب ما يأتي:
فإن قيل: قد يوجد في جنس الإنسان من هو جواد كريم ؛أجيب من وجوه:
الأول: أن الأصل في الإنسان البخل ؛لأنه خلق محتاجا والمحتاج لا بد وأن يحبس ما به يدفع الحاجة ،وأن يمسكه لنفسه إلا أنه قد يجوز به لأسباب من الخارج ،فثبت أن الأصل في الإنسان البخل .
الثاني: أن الإنسان إنما يبذل ؛لطلب الثناء والحمد ،وليخرج من عهدة الواجب ،فهو في الحقيقة ما أنفق إلا ليأخذ العوض فهو في الحقيقة بخيل .
الثالث: أن المراد بهذا الإنسان المعهود السابق ،وهم الذين قالوا:{لن نؤمن لك حتى تفجر من الأرض ينبوعا}{[499]} .