وقد أشار سبحانه إلى أن ذلك كان السبب في هلاك القرون من قبل ، فقال تعالى:
{ وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا{ 17}} .
الله سبحانه وتعالى يضرب الأمثال بالأمم السابقة من نوح إلى البعث المحمدي ، فإن الترف هو الذي دفع المترفين إلى معاندة الأنبياء ، واندفاعهم في الأهواء والشهوات ، ثم دفعهم ذلك إلى أن غشى قلوبهم فأهلكوا بما أترفوا وبما فسقوا و "كم"في قوله تعالى:{ وكم أهلكنا} دالة على الكثرة ، فهي ليست استفهامية ، والمعنى كثيرا أهلكنا من القرون ، وموضع ( كم ) النصب بأهلكنا ، و ( من ) بيانية ، والقورون جمع قرن ، وهو الجيل من الناس ، والمعنى كثيرا أهلكنا من أجيال التي بعد نوح في أمم الأنبياء الذين أترفوا وفسقوا وعاندوا الأنبياء وكفروا بهم وبأمر ربهم ، وذكرت الأجيال من بعد نوح ؛ لأن نوحا الأب الثاني بعد آدم عليهما السلام ، كما قال تعالى:{ ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا ( 3 )} .
ولقد أهلكهم على علم بحالهم ، واستحقاقهم للهلاك ، ولذا قال تعالى:{ وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا} الباء في{ بربك} لتأكيد كفاية علم الله تعالى كقوله تعالى:{. . .وكفى بالله شهيدا ( 79 )} [ النساء] ، والباء في قوله تعالى:{ بذنوب} متعلقة بقوله:{ خبيرا بصيرا} وقدمت هي ومجرورها على خبيرا بصيرا ، لكمال العناية ، وللإشارة إلى أن العلم بالذنوب كان دقيقا على خبير بصيرا ، لكمال العناية ، وللإشارة إلى أن العلم بالذنوب كان دقيقا مبصرا ، وذلك لبيان أنه لا ظلم ،{. . .وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلون ( 33 )} [ النحل] . والخبرة:العلم الدقيق الذي لا يغيب ، وهو علم واضح بين عنده ، كالعلم بالأشياء المبصرة عند الناس ، ولله المثل الأعلى في السموات والأرض .