/م16
الآية التي بعدها تشير إلى نماذج بهذا الخصوص ،على أنّها أصلٌ عام ،وقاعدة سارية ،إِذ تقول: ( وكم أهلكنا من القرون مِن بعد نوح ) وفقاً لهذه القاعدة والسنّة ،ثمّ تضيف بعد ذلك: ( وكفى بربّك بذنوب عباده خبيراً بصيراً ) أي إِنَّ ظلم وذنوب فرد أو مجموعة لا يمكنها أن تكون خافية على العين البصيرة التي لا تنام لربِّ العالمين .
«قرون » جمع «قرن » وهي تعني الجماعة التي تعيش في عصر واحد ،ثمّ أطلقت فيما بعد على مجموع العصر الواحد .
أمّا بصدد عدد سنين القرن الواحد ،فهناك آراء مختلفة ،فقسم أعتبر القرن ( 40 ) سنة ،وآخرون قالوا: ثمانين ،والبعض الثالث ،قال: إِنَّ القرن مائة عام ،أخيراً فقد اعتبر البعض أنَّ القرن هو مائة وعشرون عاماً .وفي كلَّ الأحوال لابدَّ مِن الإِشارة هنا إلى أن الحكم في هذه القضية يخضع لطبيعة الاتفاق العرفي الذي ينعقد حولها .ومِن هُنا فقد اتفق في عصرنا الراهن على أنَّ كل مائة سنة تعتبر قرناً واحداً{[2190]} .
أمّا لماذا أكدت الآية على القرون مِن بعد نوح( عليه السلام ) فقد يكون ذلك بسبب أنَّ الحياة قبل نوح( عليه السلام ) كانت حياة بسيطة ،والاختلافات التي تقسِّم المجتمعات إلى مُترف ومستضعف ،كانت بسيطة وضئيلة ،لذلك فالعذاب الإِلهي لم يشملهم بكثرة .
أمّا عن سبب ذكر كلمتي «خبير » و«بصير » معاً ،فإنّ ذلك يعود إلى المعنى المراد ،إِذ «الخبير » تعني العلم والإِحاطة بالنية والعقيدة ؛أمّا «بصير » فدلالة على رؤية الأعمال .لذلك فإِنَّ اللّه تبارك وتعالى يعلم بواطن الأعمال والنيات ،ويحيط بنفس الأعمال ،ومثل هذه القدرة لا يمكنها بحال أن تظلم أحداً ،ولا أن يضيع حق أحد في ظل حكومتها .