/م18
«العاجلة » تعني النعم الزائلة ؛أو الدنيا الزائلة .
والظريف في الآية ،أنّها لا تقول: إِنَّ مَن يسعى وراء الدنيا ،ويجعلها كلَّ همه ،يحصل على كلِّ ما يريد ،بل هي قيدَّت ذلك بشرطين هما:
أوّلاً: سيحصل على جزء ممّا يريده ؛وأنَّ هذا الجزء هو المقدار الذي نريده نحن ،أي ( ما نشاء ) .
والشرط الثّاني الذي يقيِّد رغبة الساعي إلى الدنيا ،فهو: إِنَّ جميع الأشخاصرغم سعيهم الدنيويلا يحصلون على هذا المقدار ،وإِنما قسمٌ مِنهم سيحصل على جزء مِن متاع الدنيا .وهذا معنى قوله: ( لمن نريد ) .
وبناءاً على ذلك ،فلا كلَّ طُلاّب الدنيا يحصلون عليها ،ولا أُولئك الذين يحصلون على شيء مِنها ،يحصلون على ما يريدون .ومسير الحياة اليومية يوضح لنا هذين الشرطين ،إِذ ما أكثر الذين يكدون ليلا ونهاراً ولكنّهم لا يحصلون على شيء .
وما أكثر الذين لهم أُمنيات كبيرة وطموحات متعددة ومشاريع بعيدة ،ولكن لا يحصلون إلاّ على القليل منها .
وفي هذا تحذيرٌ الدنيا إنّكم إِذا تصورتم بأنّكم ستصلون إلى أهدافكم عن طريق بيع الآخرة بالدنيا ،فهذا خطاء واشتباه كبير ،حيث أنّكم في بعض الأحيان قد لا تُحققون أي هدف ،وفي أحيان أُخرى قد تُحققون بعض أهدافكم .
وعادةً ما تكون للإِنسان آمال كبيرة ومُتعدِّدة ،لا يمكن إِشباعها في هذه الدُنيا المادية المحدودة ،فلو أعطيت الدنيا كُلّها إلى شخص واحد ،فقد لا يقتنع بها !
أمّا الأشخاص الذين يكدّونَ ولا يصلون إلى شيء ،فلذلك أسباب مُختلفة ،إِذ قد يكون هُناك أمل في إِنقاذهم ،واللّه بذلك يحبهم وييسر سُبل الهداية لهم .أو يكون السبب أنّهم إِذا وصلوا إلى مرحلة ما من أهدافهم ورغباتهم ،فسيطغون ويؤذون خلق اللّه ،ويضيقون عليهم الخناق .
«يصلى » مُشتقة مِن «صَلى » وهي تعني إِشعال النّار ،وأيضاً تعني الحرق بالنّار ،والمقصود مِنها هُنا هو المعنى الثاني .
والجدير بالانتباه هنا ،أنَّ عاقبة هذه المجموعة مِن الناس ،والتي هي نار جهنَّم ،قد تمَّ تأكيدها في الآية ،بكلمتي ( مذموماً ) و ( مدحوراً ) إِذ التعبير الأوّل يأتي بمعنى اللوم ،بينما الثّاني يعني الابتعاد عن رحمة الخالق ،وفي الحقيقة إِنَّ نار جهنَّم تمثل العقاب الجسدي لهم ،أمّا «مذموم » و «مدحور » فهما عقاب الروح ،لأنَّ المعاد هوَ للروح وللجسد ،والجزاء والعقاب يكون للاثنين معاً .
/خ21