قوله تعالى:{من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ( 18 ) ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ( 19 )} .
في ( العاجلة ) ،عبّر بالنعت عن المنعوت ،والمراد الدار العاجلة ؛أي دار الدنيا ،وهي دار الفناء .والمعنى: من كان يبتغي الدنيا العاجلة الفانية وحدها ولا يسعى ويشقى إلا من أجلها والاستزادة من متاعها وزينتها ( عجلنا له فيها ما نشاء ) أي نعجل له في العطاء منها ما نشاء لا ما يشاء المتعجل ( لمن نريد ) بدل ،من قوله: ( له ){[2656]} أي من كانت بغيته الدنيا وحدها أعطى الله منها ما شاء أن يعطيه لمن شاء أن يعطيه من هؤلاء الذين لا يبتغون غير الدنيا وزينتها .وبذلك فإن المعجل قد قُيد بقيدين .القيد الأول: قوله: ( ما نشاء ) أي ما يشاء الله تعجيله منها للمريد ،لا ما يشاؤه المريد نفسه .
وبذلك فإن كثيرا ممن يريدون الدنيا وحدها لا ينالون منها ما يريدون ويتمنون ؛لأن الله يعطي الدنيا لمن يشاء من عباده ؛فالمعطي هو الله ..
القيد الثاني: قوله: ( لمن نريد ) أي لمن يريد الله أن يعجل له العطاء من هؤلاء الذين يريدون الدنيا .وهو ما تقتضيه مشيئته وحكمته .
وهذه حقيقة ما ينبغي أن تغيب عن أولي الاعتبار والنباهة وهي أن المرء مهما غالى في الحرص والسعي والاجتهاد في طلب الدنيا ؛فإنه لا يعطى منها إلا ما أعطاه الله إياه .وهو بإقباله على الدنيا وإدباره عن الآخرة لا يزيد من حظه في الدنيا إلا ما أعطاه ربه فما يحصد من إدباره عن الآخرة وتشبثه المطلق بالدنيا غير الهوان والخسران .
قوله: ( ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ) ( يصلاها ): يدخلها .أصلاه النار وصلاه إياها وفيها وعليها ؛أي أدخله إياها وأثواه فيها{[2657]} ،فبسبب عصيانه وإقباله على الدنيا ،مدبرا عن الآخرة ؛فإنه صائر إلى جهنم ( يصلاها مذموما ) أي يدخلها مخزيا ذليلا .والمذموم ،إشارة إلى الإهانة والتحقير ( مدحورا ) أي مبعدا من رحمة الله وفضله ،موغلا في الخسران والهوان .