{الْعَاجِلَةَ}: الدنيا .
{يَصْلاهَا}: يدخلها ،أو بمعنى يحترق بنارها .
{مَذْمُوماً}: ملوماً .
{مَّدْحُوراً}: الدحر: الإبعاد .
مصير الإنسان رهن إرادته
وهذا حديثٌ عن تأكيد ارتباط مصير الإنسان بإرادته في مضمونها وحركتها وفي الواقع ،بحيث يحدد الله له النتائج السلبية أو الإيجابية في الدنيا والآخرة من خلال طبيعتها ،ما يجعل من مسألة الحرية في الاختيار للإنسان ،مسألةً تتصل بالمعنى العميق لوجوده .
{مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ} والظاهر أن المراد بها الدنيا التي تختنق داخلها كل أفكاره وتطلعاته ومشاعره ،ولا يفهم للسعادة معنىً إلا ما يتصوره من نعيم السعادة الدنيوية ،فلا يفكر ولا يتطلع إلا إلى الطمأنينة وراحة العيش .وهكذا نجده ينظر من هذا المنظار إلى القضايا والغايات والأهداف ويعالج المشاكل والحلول في واقع هذه الحياة ،فليست هناك بنظره مشاكل مستقبليةٌ تتجاوز حدود هذه الدنيا من قريبٍ أو من بعيد ،فهي البداية وهي النهاية .ولعل التعبير القرآني الوارد في آيةٍ أخرى ،يقدم نموذجاً عن ذلك:{وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [ الأعراف:176] بما تمثله كلمة الإخلاد إلى الأرض وما تعنيه من الالتصاق بها ،والاستسلام لطبيعتها والاستغراق في داخلها ،والتحديق في أبعادها ،بحيث لا ينظر إلى أيّ أفق آخر بعيداً عنها فهي القيمة وهي المثال في ميزان طموحات الشخصية وخصائصها .إن الإنسان الذي يعيش هذه الروح الغارقة في وحول الأرض لن يخيب أمله في ما يريد ،بل سيحقق الله له ما يريده منها تبعاً لمشيئته وحكمته ،وهذا ما عبرت عنه الفقرة التالية{عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ} فلن يعطيه الله كل ما يريده ،بل سيختار له ما يتفق مع طبائع الأشياء وأسبابها دون أن يتجاوز سننه الكونية لمجرد تحقيق رغباته ،وقد لا يحقق الله ذلك لكل امرىءٍ ،لأن خصائص الواقع الذي يحيط به لا تسمح بذلك .
وقد يتساءل البعض تعليقاً على ذلك: إذا كانت القضية متعلقةً بالأسباب الطبيعية الكامنة في حركة الأشياء ،فكيف نفهم نسبة الله التعجيل إلى فعله لبعض الناس دون البعض الآخر ؟ونجيب على ذلك بما أجبنا عنه في أمثاله ،بأن إرادة الله للأشياء ،لا تعنيدائماًمباشرته لها ،بل يتحقق ذلك من خلال سننه .ثم لماذا نفكر دائماً باستبعاد علاقتهتعالىبالسنن الكونية التي يتحركمن خلالهاكل شيء في الكون ما دام الله قد أقام الحياة كلها عليها ؟
{ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً} ..وهذا هو جزاء الذي ينكر الله ورسالاته ورسله واليوم الآخر ،أو لا يعمل في هذا الخط ،بل ينحرف عنه إلى أجواء التمرُّد والعصيان ،فقد أقام الله عليه الحجة في ذلك كله ،فلا عذر له في ما عمله من شرٍّ أو انتسب إليه من باطلٍ ،لهذا سيحترق في نار جهنم وهو مذمومٌ لسوء فعله ،ومطرود لانحراف إيمانه .