/م16
صحيح أنَّ المفسّرين وضعوا احتمالات متعددة لتفسير هذه الآية ،إِلاّ أنّنا نعتقد بأنَّه لا يوجد سوى تفسيرٌ واحد واضحٌ لهذه الآية ،يمكن تبيانه من مؤدّى ظاهرها ،وهذا التّفسير هو: إِنَّ اللّه لا يُعاقب أو يؤاخذ أحداً بالعذاب ،قبل أن يتمَّ الحجّة عليه ،وقبل أن يتّضح ويستبين تكليفه ،ففي البداية يضع اللّه تعليماته وأوامره أمام الناس ،فإِذا التزموا بها وأطاعوا فستنالهم سعادة الدنيا والآخرة .أمّا إِذا عصوا وخالفوا ولم يلتزموا الأوامر والنواهي الربانية ،فسيحيق بهم العذاب ،ويؤدي إلى هلاكهم .
وإِذا تأملنا الآية ،ودققنا النظر فيها بشكل صحيح ،فسنرى أنَّ هناك أربع مراحل لهذا البرنامج الرباني ،هي:
1مرحلة الأوامر والنواهي .
2مرحلة الفسق والمخالفة .
3مرحلة استحقاق المجازاة .
4مرحلة الهلاك .
والملاحظ هنا ،أنَّ المراحل الأربع هذه ،معطوفة على بعضها البعض بواسطة «فاء » التفريع .
هنا يُطرح هذا السؤال: لماذا كان المأمورون في الآية الكريمة هم المترفين دون غيرهم ؟{[2189]} .
في الإِجابة على السؤال المثار ،لابدَّ مِن الإِشارة إلى ملاحظة تعتبر مهمّة في توضيح المعنى ،وهي أنَّ المترفين هم وجهاء القوم ،ورؤساء المجتمعطبعاً هذه القاعدة تخص المجتمعات المريضةوالآخرون تبع لهم .
إِضافة إلى ذلك ،فإِنَّ التعبير في الآية الكريمة ينطوي على إِشارة مهمّة ،هي أنَّ أغلب المفاسد الاجتماعية تنبع مِن المترفين ،أصحاب الأموال ،البعيدين عن اللّه تعالى ،والذين يعيشون حياةً مترفة بعيدة عن الشرع مملوءة بالأهواء والمفاسد ،وهم بذلك لا يفقهون شيئاً عن تلك المفردات التي تتحدث عن الأخلاق والإِنسانية والإِصلاح .ولهذا السبب بالذات ،وبحكم موقعهم ،كان المترفون دائماً في الصفوف الأُولى ،في مُواجهة دعوات الأنبياء والرسل ،وكانوا يعتبرون دعوات الأنبياءالقائمة على أساس العدل وحماية المستضعفينضدّهم .
لهذه الأسباب ذكر هؤلاء بالخصوص لأنّهم أساس الفساد .على أية حال ،هذه الآية بمثابة تحذير لكل المؤمنين كي ينتبهوا ،ولا يسلموا زمام أُمورهم وحكوماتهم بيد المترفين والأغنياء الغارقين بالشهوات ،وألاّ يتبعونهم ،لأنَّ هؤلاء يجرون مجتمعهم نحو الهلاك .