اختلف القراء في قراءة قوله:( أمرنا ) فالمشهور قراءة التخفيف ، واختلف المفسرون في معناها ، فقيل:معناها أمرنا مترفيها ففسقوا فيها أمرا قدريا ، كقوله تعالى:( أتاها أمرنا ليلا أو نهارا ) [ يونس:24] ، فإن الله لا يأمر بالفحشاء ، قالوا:معناه:أنه سخرهم إلى فعل الفواحش فاستحقوا العذاب .
وقيل:معناه:أمرناهم بالطاعات ففعلوا الفواحش فاستحقوا العقوبة . رواه ابن جريج عن ابن عباس ، وقاله سعيد بن جبير أيضا .
وقال ابن جرير:وقد يحتمل أن يكون معناه جعلناهم أمراء .
قلت:إنما يجيء هذا على قراءة من قرأ "أمرنا مترفيها "قال علي بن طلحة ، عن ابن عباس قوله:( أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ) يقول:سلطنا أشرارها فعصوا فيها ، فإذا فعلوا ذلك أهلكتهم بالعذاب ، وهو قوله:( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ) [ الأنعام:123] ، وكذا قال أبو العالية ومجاهد والربيع بن أنس .
وقال العوفي عن ابن عباس:( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ) يقول:أكثرنا عددهم ، وكذا قال عكرمة ، والحسن ، والضحاك ، وقتادة ، وعن مالك عن الزهري:( أمرنا مترفيها ):أكثرنا .
وقد استشهد بعضهم بالحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال:حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا أبو نعامة العدوي ، عن مسلم بن بديل ، عن إياس بن زهير ، عن سويد بن هبيرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:خير مال امرئ له مهرة مأمورة أو سكة مأبورة ".
قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام ، رحمه الله ، في كتابه "الغريب ":المأمورة:كثيرة النسل . والسكة:الطريقة المصطفة من النخل ، والمأبورة:من التأبير ، وقال بعضهم:إنما جاء هذا متناسبا كقوله:"مأزورات غير مأجورات ".