/م13
الآية التي بعدها تُّوضح أربعة أحكام أساسية فيما يخص مسألة الحساب والجزاء على الأعمال ،وهذه الأحكام هي:
1أوّلاً تُقرِّر أنَّ ( من اهتدى فإِنما يهتدي لنفسه ) حيث تعود النتيجة عليه .
2ثمّ تُقَّرِّر أيضاً أنَّ ( وَمَن ضلَّ فإِنما يضل عليها ) .
وقرأنا نظير هذين الحكمين في الآية السابعة مِن هذه السورة في قوله تعالى: ( إِن أحسنتم أحسنتم لأنفسكُم وإِن أسأتُم فَلها ) .
3ثمّ تنتقل الآية لتقول: ( ولا تزرُ وازرةٌ وزر أُخرى ) .
«الوزر » بمعنى الحمل الثقيل .وأيضاً تأتي بمعنى المسؤولية ،لأنَّ المسؤوليةأيضاًحمل معنوي ثقيل على عاتق الإِنسان ،فإِذا قيل للوزير وزيراً ،فإِنّما هو لتحمله المسؤولية الثقيلة على عاتقه مِن قبل الناس أو الأمير و الحاكم .
طبعاً هذا القانون الكُلّي الذي تُقرِّره آية ( ولا تزرُ وازرةٌ وزر أُخرى ) لا يتنافى مع ما جاء في الآية ( 25 ) مِن سورة النحل التي تقول: ( ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الذين يُضلّونَهُمْ بغير علم ألا ساء ما يزرون ) لأنَّ هؤلاء بسبب تضليلهم للآخرين يكونون فاعلين للذنب أيضاً ،أو يُعتبرون بحكم الفاعلين له ،ولذلك فهم في واقع الأمر يتحملونَ أوزارهم وذنوبهم ،وبتعبير آخر: فإِنَّ «السبب » هنا هو في حكم «الفاعل » أو «المُباشر » .
كذلك مرَّت علينا روايات مُتعدِّدة حول مسألة السُنَّة السيئة والسنَّة الحسنة ،والتي كانَ مؤدّاها يعني أنَّ مَن سنَّ سنةً سيئة أو حسنة فإِنَّهُ سيكون لهُ أجرٌ مِن نصيب العاملين بها ،وهو شريكهم في جزائها وعواقبها ،وهذا الأمر هو الآخر لا يتنافى مع قاعدة ( ولا تزرُ وازرةٌ وزر أُخرى ) لأنَّ المؤسس للسُنّة ،يعتبر في الحقيقة أحد اجزاء العلة التامة للعمل ،وهو بالتالي شريك في العمل والجزاء .
4الحكم الرّابع يتمثل في قوله تعالى: ( وما كُنّا معذبين حتى نبعث رسولا )يقوم ببيان التكليف وإِلقاء الحجة .
هناك نقاش بين المفسّرين حول نوع العذاب المقصود هنا ،وهل هو نوع من أنواع العذاب الذي يقع في الدنيا أو في الآخرة ،أم المقصود بهِ هو عذاب «الإِستيصال » الذي يعني العذاب الشامل المُدمِّر كطوفان نوح مثلا ؟
إنَّ ظاهر الآية الكريمة يدل على الإِطلاق ،وهو بالتالي يشمل كل أنواع العذاب .
وهناك نقاشٌ آخرأيضاًبين المفسّرين حول قاعدة ( وما كُنّا معذبين حتى نبعث رسولا ) وهل أنَّ الحكم فيها يخص المسائل الشرعية التي يعتمد فهمها على الأدلة النقلية فقط ؛أو أنَّهُ يشمل جميع المسائل العقلية والنقلية في الأصول والفروع ؟
في الواقع ،إِذا أردنا العمل بظاهر الآية الذي يُفيد الإِطلاق ،فينبغي القول أنّها تشمل جميع الأحكام العقلية والنقلية ،سواء ارتبطت بأصول أو فروع الدين .ومفهوم هذا الكلام أنَّهُ حتى في المسائل العقلية البحتة التي يقطع «العقل المستقل » بحسنها وقُبحها مثل حُسن العدل و قُبح الظلم ،فإِنَّه ما لم يأت الأنبياء ،ويؤيدون حكم العقل بحكم النقل ،فإِنَّ اللّه تبارك وتعالى لا يُجازي أحداً بالعذاب .للطفه ورحمته بالعباد .
ولكن هذا الموضوع مستبعد وضعيف الاحتمال ،لأنَّهُ يصطدم مع قاعدة أنَّ المستقلات العقلية لا تحتاج إلى بيان الشرع ،وحكم العقل في إِتمام الحجة في هذه الموارد يُعتبر كافياً ومجزياً ،لذلك فلا طريق أمامنا إِلاّ أن نستثني المستقلات العقلية عن مجال عمل القاعدة المذكورة .
وإِذا لم نستثن ذلك فسيكون معنى العذاب في هذه الآية هو «عذاب الإِستيصال » وسيكون المفاد الأخير للمعنى هو أنّ اللّه سبحانهُ وتعالى لرحمته ولطفه بالعباد لا يُهلك الظالمين والمنحرفين إِلاّ بعدَ أن يبعث الأنبياء ،وتستبين جميع طرق السعادة والهداية ؛حتى تُطابق حجّة الشرع حجة العقل المستقل ،وتتم الحجة بذلك من طريقي العقل والنقل ( فتأمَّل ذلك ) .
/خ15