وصايا الله وأوامره
إنه بلا شك كانت أكثر الأحكام بالمدينة حيث اقتضت العدالة وتنظيم الجماعة ، وإقامة بنائها على أحكام الله تعالى ، وعلى الفضيلة ، والخلق العظيم ، وكان بمكة أحكام قليلة كلها تمليها خصال المروءة والفضيلة ، وإن لم تكن تنظيما لأحكام مفصلة تقوم عليها المدينة الفاضلة إلا أنها بمقتضى الفطرة الإنسانية في مبادئها الأولى ، وأولها إفراد الله تعالى بالعبودية ، وقد ابتدأها بها لأنه كانت البعثة ابتداء لأجلها ، ثم ثنى بالإحسان إلى الوالدين ، وإيتاء ذي القربى ، وإقامة الأسرة بالبر والمودة وصلة الرحم ؛ أن الأسرة أصل بناء المجتمع ، والأسرة في الإسلام هي الممتدة لا المقصورة على الزوجين والأولاد كما هو الشأن عند من لا يعرفون الرحمة والبر بهما ، ويقطعون ما أمر الله به ا ، يوصل ، وقد ابتدأ سبحانه بالوحدانية فقال:
{ لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ( 22 )}
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ونبي الوحدانية كيف يخاطب بهذا ، وهو بعث له ابتداء ، والوحدانية أولى دعوته ، ولها أوذى ، ولها حروب ، ولها جاهد ، والجواب عن ذلك أنه خطاب له أولا ولمن بعث فيهم ثانيا ، وذكر هو في القول ليكون مع من يدعوهم على سواء ، وأنه مطالب بما تطالبون به ، وأنه ما جاء ليكون مسيطرا ، فذاته مصونة ، لا بل هو مطبق عليه ما يطبق على كل مؤمن ، وينذر كما ينذر ، ويخاف ويخوف ، وهو مستقيم على الطريقة ، وفي هذه التسوية التي يطويها الكلام دعوة إلى التوحيد بأقصى البلاغة وتحريض عليها ، وقوله:{ فتقعد مذموما مخذولا} ، أي فتقعد عن السمو إلى المكارم مذموما ، لأنك لم تسم إلى علو الوحدانية ، ويخذلك الله تعالى يوم لا تجد نصيرا سواه .