وإن أحوال أهل الكهف ، وأخبارهم من شأنها أن تربي الإيمان في قلوب المؤمنين ، ولذا ناسب هذا أن يأمر الله تعالى بالتفويض ، وأن يعلم المؤمن أن الأمور لا تسير إلا بإرادة الله تعالى ومشيئته ، وأن يذكر الله دائما فقال تعالى:
{ ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا 23 إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا 24} .
هذا تأديب من الله تعالى ، ولكيلا يفتات إنسان على الله تعالى فيتوهم أنه قادر مسيطر على ما يفعل ، وأنه يفعل ما يريد شاءه أو لم يشأه سبحانه ، وهو المالك لكل شيء الذي يشاء ويختار وحده ،ن ولا خيرة لغيره في أمر خيرة مطلقة ، إنما هي مقيدة دائما في حدود ما يشاء الله سبحانه قال:{ ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا 23 إلا أن يشاء الله} النهي موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وموجه من بعده للمؤمنين بالأولى ؛ لأن النهي له نهي لغيره ، ولأن النهي له حيث لا يترقب منه الافتيات على الله يكون نهيا لغيره بالأولى ، إذ النهي عن أمر مترقب الوقوع يكون أقوى من النهي غير المتوقع ، وقد أكد سبحانه النهي بنون التوكيد الثقيلة ، والنهي عن القول أي الاعتزام على العمل من غير تفويض ، والإصرار من غير تعليق على مشيئة الله .
وذكر الغد للإشارة إلى الإصرار ، لأن تعيين الزمان دليل على العزم والإصرار ، فإن الغيب في علم الله وقدرته ، وقد يكون فيه ما لا يمكن معه العمل ، وليست إرادة الله في إرادته إنما إرادته هو في إرادة الله تعالى ، فما لا يريده الله لا يقع أبدا ، ولذا كان لا بد من تعليق التنفيذ على مشيئة الله تعالى والتوكل عليه ، ولذلك كان الاستثناء{ إلا أن يشاء الله} ، ( أن ) وما بعدها مصدر منسبك ، وهو في موضع الجر بالباء ، وتحذف كثيرا قبل المصدر المنسبك منها ومما بعدها ، ويكون التخريج على ذلك ، ولا تقولنّ لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا بمشيئة الله بأن تقول معلقا عزمتك على قولك إن شاء الله .
وهنا أمران بيانيان:
الأمر الأول:أن اللام في قوله تعالى:{ لشيء} معناها لعمل شيء وبعض المفسرين قال إن ( اللام ) بمعنى في .
الأمر الثاني:أن قوله تعالى:{ إلا أن يشاء} ذكر الفعل المستقل دون الماضي للإشارة إلى أنه متعلق بالمستقبل ، والمستقبل بيد الله وحده وهو علام الغيوب فلا يعلم ما سيكون إنما يعلمه علام الغيوب .