{ولا تقولن لشيء إنّي فاعل ذلك غدا ( 23 ) إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب منه هذا رشدا ( 24 )}
تمهيد:
روى: أن الآيتين نزلتا حينما سألت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يجيبهم عن ثلاثة أسئلة:
1- أصحاب الكهف .
2- ذو القرنين .
3- الروح .
فقال: غدا أجيبكم ،ونسي أن يقول: إن شاء الله ؛فأبطأ عليه الوحي خمسة عشر يوما فشق عليه ذلك ،وقالت قريش: إن إله محمد ودعه وقلاه ،وقد رد عنه الله تعالى في سورة الضحى .
التفسير:
24 ،23-{ولا تقولن لشيء إنّي فاعل ذلك غدا .إلا أن شاء الله ...}
أي: لا تقولن أيها الرسول لشيء: إني سأفعل ذلك غدا: إلا أن تقول: إن شاء الله ؛ذلك أنه ربما مات المرء قبل مجيء الغد ،أو ربما عاقه عائق عن فعله .
جاء في تفسير الظلال ما يأتي:
إن كل حركة وكل نفس من أنفس الحي ،مرهون بإرادة الله ،وسجف الغيب مسبل يحجب ما وراء اللحظة الحاضرة ،وعين الإنسان لا تمتد إلى ما وراء الستر المسدل ،وعقله مهما علم قاصر كليل ،فلا يقل إنسان: إني فاعل ذلك غدا ،وغدا في غيب الله .
وليس معنى هذا: أن يقعد الإنسان ،لا يفكر في أمر المستقبل ،ولا يدبر له ،وأن يعيش يوما بيوم ،ولحظة بلحظة ،وألا يصل ماضي حياته بحاضره وقابله ...كلا ،ولكن معناه: أن يحسب حساب الغيب ،وحساب المشيئة التي تدبره ،وأن يعزم ما يعزم ،ويستعين بمشيئة الله على ما يعزم ،ويستشعر أن يد الله فوق يده ،فلا يستبعد أن يكون لله تدبير غير تدبيره ،فإن وفقه الله إلى ما اعتزم ؛فبها ونعمت ،وإن جرت مشيئة الله بغير ما دبّر ؛لم يحزن ولو ييأس ؛لأن الأمر لله أولا وأخيرا28 .
وبهذه المناسبة نتمنى أن يلتفت كل من يقدر تقديرا ،أو يذكر محصولا للقمح أو الذرة أو القطن أو البترول في قادم الأيام ؛أن يذكر المشيئة ؛فيقول: سيكون عائد البترول كذا ألف برميل في العام إنشاء الله ،والمحصول القمح أو الذرة أو القطن كذا إنشاء الله ،وعدد الخريجين من المعاهد العليا والكليات النظرية أو العلمية كذا إنشاء الله .
فهذا التعليم والتوجيه للأفراد والجماعات والأمم ،وهو في صلب العقيدة ،ويترتب عليه اليقين الجازم ؛بأن يد القدرة الإلهية فوق قدرتنا ،ولها الكلمة النافذة في حياة الأفراد والجماعات والأمم .
وأن الله تعالى يغير ولا يتغير ،وهو سبحانه يضع ويرفع ويعز ويذل ،قال تعالى:{قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير} .( آل عمران: 26 ) .
ويقول سبحانه:{كل يوم هو في شأن} .( الرحمان: 29 ) .
وفي التفسير: شؤون يبديها ولا يبتديها ؛يشفي مريضا ،ويمرض سليما ،ويعافي مبتلي ،ويبتلي معافى ،ويعزّ ذليلا ،ويذل عزيزا ،ويغير ولا يتغير .
ونحن ينبغ عندما نقول: سنعمل كذا ،أو سنترك كذا ،أو سنفعل كذا ؛نربطها بالمشيئة فنقول: ( إن شاء الله ) .
والمعنى: إذا أراد أن يتم ذلك فستتم بمشيئته هو وإرادته ؛فأمره غالب ومشيئته نافذة ،ومعونته للعباد نعمة وبركة ،وهو القائل:{إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون .فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون} .( يس: 83 ،82 ) .
{واذكر ربّك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا} .
أي: إذا نسيت أن تقول: إن شاء الله ،ثم ذكرت ؛فقلها لتبقى نفسك مستشعرة عظمة الله ،وقال عكرمة:{واذكر ربك إذا نسيت} ،إذا غضبت .
وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن هذه الفقرة من الآية مرتبطة بما قبله .
والمعنى: أنك إن قلت: سأفعل غدا كذا ،ونسيت أن تقول: إن شاء الله ،ثم تذكرت بعد ذلك ؛فقل: إن شاء الله .
أي: اذكر ربك معلقا على مشيئته ما تقول إنك ستفعله غدا ؛إذا ذكرت بعد النسيان .
وذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الفقرة مستقلة عما قبلها ،ولا تعلق لها بما قبلها ،ويكون المعنى: إذا نسيت ذكر ربك لأي سبب من الأسباب ،ثم عاد إليك ذهنك وصفاؤك ؛فاشتغل بالتسبيح والاستغفار ؛لأن ذكر الله شفاء ودواء .
قال تعالى:{والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرة وأجرا عظيما} .( الأحزاب: 35 ) .
وقال سبحانه:{فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} .( البقرة: 152 ) .
{وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدا} .
أي: لعل الله أن يوفقني ويرشدني إلى ما هو أصلح من أمر ديني ودنياي .