وقد بين سبحانه أن ما توقعه المؤمن صدق ، ونزل الدمار بالجنتين فقال تعالى:{ وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا 42} .
قوله تعالى:{ وأحيط بثمره} يقال أحاط الجيش بالعدو حتى سد عليه مسالك النجاة ، ثم صارت تطلق في اللغة بمعنى الهلاك مجازا مشهورا وأصبح البعير يحاط به بمعنى تعرضه ، ولقد قال تعالى في الذين يتعرضون للهلاك ،{. . .إلا أن يحاط بكم . . . 66} ( يوسف ) ، ويكون في الكلام مجازا بالاستعارة شبه هلاك الزرع هلاكا مستغرقا لم يدع فيه شيئا قائما بذاته بإحاطة الجيش بعدوه واستئصاله بحيث لم يفلت منهم بالنجاة أحد ، والجامع في المجاز هو الإحاطة والشمول ، وفي هذا المجاز إشارة إلى المغرور بهذه المعاندة كأنه في حرب مع الله سبحانه ، وبعد هذه الإحاطة المهلكة المستغرقة لكل الزرع أخذ يعض بنان الندم ، وقال تعالى في ذلك:{ فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها} الفاء فاء السببية والعطف المفيد للترتيب والتعقيب ، وتقليب الكف كناية عن الإحساس بالندم ، وعن الإحساس بالخسارة فهو يقلب كفيه نادما ، ويحس بالخسارة في النفقة التي أنفقها ، وهكذا المغتر من غير مبرر للغرور يكون في ندم على غروره ، وفي حسرة على ما أنفق من مال ذهب هباء منثورا ، أو أدراج الرياح ، ويتمنى الأماني ويقول{ يا ليتني لم أشرك بربي أحدا} ، ليت للتمني ، فهو يتمنى أن لم يكن قد أشرك ، ونادى{ يا ليتني} كأنه ينادي ليت ، كأنه يقول:يا ( ليت ) تعالى فهذا وقتك الذي أناديك فيه{ لم أشرك بربي أحدا} ، كأنه أحس بأن الشرك هو الذي ربّى في نفسه الغرور ، وأن الغرور الذي دلاه إلى هذه الحال من الهلاك .
أهذا التمني في الدنيا أم في الآخرة ؟ الأقرب إلى السياق أنه في الدنيا ، وأنه سبيل التوبة ، وقد يكون في الآخرة كما تدل الآية الآتية ، وقوله:{ وهي خاوية على عروشها} الضمير يعود إلى الجنة ، وذلك من خوت الدار خواء إذا أقعرت وتهدم بناؤها وسقطت عروشها ، فخاوية على عروشها معناها ساقطة الكروم على عروشها ، أي أن كل ما فيها سقط بعضها على بعضها ، فالأشجار جفت ، والزرع صار حطاما ، وصارت كلها خواء .