{ وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلقنا وما بين ذلك وما كان ربك نسبيا 64} .
{ وما نتنزل} هذا بيان من متكلم ما هو ؟ أهو من الملائكة أم من المتقين ؟إن النص يحتملهما ، وقد روى أن ذلك من الملائكة ، وروى البخاري والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال جبريل عليه السلام:( ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا ، فنزلت هذه الآية{[1477]} ، ومعناها على ذلك ،{ وما نتنزل} ، أي نتنزل نحن الملائكة{ إلا بأمر ربك}الذي خلقك ، فلا ننزل من تلقاء أنفسنا بل إرادة ، وروى أنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:( أنا أشوق إليك ) .
وقد قيل:إن المشركين قالوا:قلاه الله وودعه ، وقد قال تعالى في سورة الضحى:{ ما ودعك ربك وما قلى 3} هذا تخريج تؤيده الرواية الصحيحة ، ونتنزل أي ننزل وقتا بعد آخر .
وهناك تخريج آخر وهو أن قائل ذلك هم المتقون الذين نزلوا الجنة ، وأدخلهم الله تعالى فيها ، ويكون معنى التنزل النزول إليها مترفقين ، ويكون كلامهم إعلانا لشكرهم لله تعالى .
ونحن نميل إلى التخريج الأول ونرجحه ، لأنه قد ورد فيه حديث صحيح ، وهو معقول في ذاته ، ولأن التعبير بالتنزل يدل على النزول وقتا بعد آخر ، وذلك يتفق مع نزولا جبريل ، ولا يتفق مع دخول الجنة ، لأنه يكون دفعة واحدة ، ولأنه هو الذي يناسب نفي النسيان في قوله بعد ذلك:{ وما كان ربك نسيا} ( فعيل ) من ( نسى ) ، أي ناسيا نسيانا شديدا حتى يترك نبيه ، وقد أرسله لبيان شريعته ، والدعوة بقرآنه الحكيم الذي هو تنزيل من حكيم حميد .
وقد ذكر الملائكة قدرة الله تعالى ، وأنه هو الملك للملائكة والإنس والجن ، فقالوا كما حكى الله تعالى عنهم:{ له ما بين أيدينا وما خلقنا ومابين ذلك} ، له ما مضى من أمرنا لا يعلمه سواه ، وله ما بين أيدينا مما هو مبهما ، وما خلقنا مما تركنا ، وما بين ذلك هو حاضرنا ، وملكيته سبحانه لحاضرنا ، وهو ما بين ملك المتصرف العالم علما محيطا .