{نَسِيّاً}: النّسي: فعول من النسيان .
...وينطلق الوحي في حياة الأنبياء الذين حملوا الرسالة ،وفي حياة الناس الذين اهتدوا بها والتزموا بمفاهيمها وأحكامها .ويندمج الناس مع أجواء الوحي في أفكاره ومناهجه ،ومع خطوات النبيين في دعوتهم وجهادهم .وربما تأخر الوحي عن النبي( ص ) أحياناً فيشقّ ذلك عليه فيستبطئه ،ولكنه يأتيه ويخبره بأن الملائكة لا تتنزل إلا تنفيذاً لأمر ربها ،فإذا أمرهم بالنزول نزلوا ،وإذا لم يأمرهم به وقفوا وانتظروا خاشعين ،{لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [ الأنبياء:27] .
{وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ} فنحن رسل الله إليك ،لتكون رسول الله إلى الناس ،فلا تشعر بالإحباط والقلق إذا تأخرنا عنك ،ولا تحملنا مسؤولية ذلك لأننا نتنزل بأمر الله في الوقت الذي يعيّنه ،وفي المكان الذي يحدّده ،فهو يملك ما لا نملكه من أنفسنا ،ويحيط بكل وجودنا من جميع جهاته ،{لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} مما نقدمه من أعمال ،أو مما يحيط بنا من أوضاع ،{وَمَا خَلْفَنَا} مما يتصل بسر الوجود وحركته في الماضي ،{وَمَا بَيْنَ ذلِكَ} فليس هناك فراغ في حياتنا في المكان أو في الزمان أو في الأفعال ،أو في خصائص الوجود ،ليملأه غيره ،لأنه يملك كل شيء ويحيط بكل شيء ويهيمن على الوجود كله ،{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} فلا يغفل عن تدبير شيء من خلقه ،ولا يُهمل شيئاً من أمورهم ،ما يفرض على مخلوقاته التسليم المطلق له ،والخضوع الشامل لإرادته ،لأنه يعلم من دقائق حياتهم وأسرار وجودهم ،ما لا يعلمونه من أنفسهم ،فليتركوا الأمر إليه ،وليعتمدوا عليه في ذلك كله .