وقوله تعالى:{ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} .
قوله تعالى:{ وأقيموا الصلاة} معطوف على قوله:{ فآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم} أو بالأحرى معطوف على قوله تعالى{ واذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} فقد أمرهم تعالى بأوامر متعاقبة بعضها مترتب على بعض ، أولها أن يذكروا نعمة الله تعالى ليتدبروا ويتفكروا ولعلهم يذكرون هذه النعم ، ولا يكفرونها ، ثم أمرهم سبحانه بأن يوفوا بالذي عاهدهم عليه ، وأن يوفي لهم بعهده بأن يكفر عن سيئاتهم ، ويدخلهم الجنة ، ثم حذرهم وأرهبهم ، ثم طالبهم بأن يؤمنوا بما أنزل من الكتاب الذي يصدق ما معهم ، وأن لا يكونوا أول كافر به ، ثم حذرهم ، وشدد في أمرهم بالتقوى ثم نهاهم عن أن يخلطوا الحق بالباطل ، وألا يكتموا الحق الخالص .
ثم بعد أمرهم بالإيمان أمرهم بالصلاة التي هي لب الإيمان ، وهذه الصلاة نزل بها الكتاب الكريم الذي جاء مصدقا لما معهم ، وهي الصلاة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلمها ، وقال:( صلوا كما رأيتموني أصلي ){[74]} ، لأنها لازمة الإيمان بالقرآن الذي أمر بالإيمان به ، وأمر بالزكاة ، وبذلك أمر بركني الإسلام ، وشعبتيه ، وهما تهذيب الروح بالصلاة ، ومثلها الصوم ، والثاني قيام بناء اجتماعي متعاون فأمر بالزكاة ، وبقية العبادات بل التكليفات كلها لا تخرج عن هاتين الشعبتين:تهذيب الروح ، وربط المجتمع بالتعاون الوثيق .
ثم قال تعالى:{ واركعوا مع الراكعين} وذلك إما بالاندماج بالصلاة في جماعة المسلمين ، والائتلاف معهم في جماعتهم ، وإما بالخضوع المطلق لله رب العالمين ، ولعل المراد باركعوا مع الراكعين الأمران معا وهو الصلاة في جماعة ، والخضوع بالائتلاف مع الراكعين ، والاندماج فيهم ، والله تعالى أعلم .