{ وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا}
وقالوا:إنما أبهم ولم يذكر أنها العصا تعظيما لأمرها ، ولأنها هي عود صغير من شجر تأخذ كل هذه الحبال والعصا ولا تُبقى شيئا يتخيل ، أو لا يتخيل ، وأرى أن قوله{ ما في يمينك} تنبيه إلى أن في يده ما يدفع وهمهم ، فكيف يوجس خيفة ، وهو في يده ، وقوله تعالى:{ تلقف ما صنعوا} بالجزم جوابا للأمر ، أي ألق ما في يمينك – وهو العصا – وقوله تعالى:{ تلقف ما صنعوا} ، أي تأخذه بسرعة وتبتلعه ولا يكون له أثر .{ تلقف ما صنعوا} الضمير يعود إلى العصا ، ولذا صدر المضارع بالتاء ، فكأنه إبهام ثم بيان فقال{ وألق ما في يمينك} فلم يذكر أنه العصا ، ثم بينها بعود الضمير على لفظ العصا بالتاء ، وقد علل الله تعالى لقف العصا والحبال ، فقال:
{. . .إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى 69} .
"ما"هنا اسم موصول بمعنى "الذي"وهي اسم "إن"وقوله تعالى{ كيد ساحر} خبر "إن"وأفرد ساحر مع أنهم كانوا كثرة كاثرة حتى ادعى في الأساطير أنهم كانوا سبعين ألفا والله أعلم بعددهم ، وعلى أي حال كانوا عددا غير قليل أفرد لأن المقصود وصف ساحر ، ولأن التدبير لا يمكن أن يكون من الجميع ، إنما هو من واحد وأقره الجميع عليه ، ونكر لأنه واحد من جمعهم لا يهم معرفة شخصه ، وعبر سبحانه ب{ كيد ساحر} ، لأنه تدبيره فهو ليس قلبا للحقائق ، فلم يقلب الجامد إلى الحي يسعى ، وإنما خيل للأعين فقط ، فهو تدبير ماكر ، يكيد للحق ، وليس قلبا للحقائق قط .
وقال تعالى:{ ولا يفلح الساحر حيث أتي} كان التعريف ب"أل"التي للجنس ، ويكون المعنى ولا يفلح من كان عمله السحر في أي مكان أتى ، فكلمة{ حيث أتى} حيث:ظرف مكان ، أي من أي مكان أتى ، وإلى أي مكان سار ، فهو لا فوز له أبدا ، ولكن ضلال وتمويه ، وتخيل للأعين واسترهاب للنفوس .