وخاطبه الله مرّة أُخرى بقوله تعالى: ( والق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنّما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح السّاحر حيث أتى ) .
«تلقف » من مادة «لقف » بمعنى البلع ،إلاّ أنّ الراغب يقول في مفرداته: إنّ معناها في الأصل تناول الشيء بحذق ،سواء في ذلك تناوله باليد أو الفمّ .وفسّرها بعض اللغويين بأنّها التناول بسرعة .
وممّا يلفت النظر أنّه لم يقل ( الق عصاك ) بل يقول ( الق ما في يمينك ) وربّما كان هذا التعبير إشارة إلى عدم الإهتمام بالعصا ،وإشارة إلى أنّ العصا ليست مسألة مهمّة ،بل المهم إرادة الله وأمره ،فإنّه إذا أراد الله شيئاً ،فليست العصا فقط ،بل أقل وأصغر منها قادر على إظهار مثل هذه المقدّرة !
وهنا نقطة تستحقّ الذكر أيضاً وهي: إنّ كلمة ( ساحر ) في الآية وردت أوّلا نكرة ،وبعدها معرفة بألف ولام الجنس ،وربّما كان هذا الاختلاف لأنّ الهدف في المرتبة الأُولى هو عدم الإهتمام بعمل هؤلاء السّحرة ،ومعنى الجملة: إنّ العمل الذي قام به هؤلاء ليس إلاّ مكر ساحر .أمّا في المورد الثّاني فقد أرادت التأكيد على أصل عام ،وهو أنّه ليس هؤلاء السّحرة فقط ،بل كلّ ساحر في كلّ زمان ومكان وأينما وجد سوف لا ينتصر ولا يُفلح .
/خ69