هذه الآية لبطلان وهم من يتوهم أن الله تعالى لن ينصره إذا طلب النصرة العادلة منه ، واعتمد على غيره ، وذلك رد على من يوالي العباد من الموالي والعشراء في النصرة ، فالله وحده هو نعم المولى ونعم النصير ، وبئس من يطلب نصرا من غيره وإنه ناصر نبيه في الدنيا والآخرة .
والضمير في{ ينصره} في قوله تعالى:{ من كان يظن أن لن ينصره} يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان لم يجر ذكره في الآيات قبله ، أو في الآية السابقة ، فإنه حاضر في نفس القارئ للقرآن ، وفي قلب كل مؤمن فهو حاضر دائما ، وإن محمدا بعد الهجرة قد قامت حروب بينه وبينه المشركين ، وبينه وبين اليهود ، والله ناصره دائما ، ولم يهزم في موقعة ، وإذا كان قد أصيب بجراح وقتل من قتل في أحد فهو لم يهزم ولم يندحر فيها ، كان ذلك يغيظ الكافرين وخصوصا اليهود الذين كانوا يجاورونه في المدينة ، ويذهب بهم في طغيانهم إلى أن يتمنوا ألا ينصره الله تعالى ، كما يتمنى الحاسد الحقود ، وقد بين سبحانه في هذه الآية أن من المستحيل ألا ينصره الله وليموتوا بغيظهم ، ولذا قال:{ من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء} من كان يظن مستمرا في ظنه الذي لا يصدق ، والاستمرار في هذا الظن هو من التعبير ب{ كان} ، و"أن"مخففة من الثقيلة ، واسمها الحال والشأن ، أي من يظن أن الحال والشأن أن لن ينصر الله محمدا ، وذلك مستحيل ، فليمدد بسبب إلى السماء ، والسبب:الحبل الذي يصعد به على النخل ، والسماء . روي عن ابن عباس أنه قال:إنه سقف البيت ، أي ليمدد الحبل إلى سقف البيت ، فإذا وصل وهو متصل به ، مربوط في عنقه ، ثم ليقطع ذلك الحبل ، فيختنق اختناقا ، قيد هذا الاختناق بذلك الحبل ،{ فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ} ، والاستفهام بمعنى النفي ، ولذا كانت نون التوكيد في الفعل ، وهي تجئ في الفعل المنفي ، تأكيد للنفي ، وهذا تأكيد فوق تأكيد النفي بمجيئه بصيغة الاستفهام .
وهذا تخريج صادق كل الصدق ، وهو في مضمونه كقوله تعالى:{. . .قل موتوا بغيظكم . . . 119} ( آل عمران ) ، وإنا نوافق على التخريج ما دام منتجا معنى سليما مستقيما يتفق مع جلال القرآن ، ومع سياق القصص في السيرة ، ولكن نخالف فقط تفسير السماء بالسقف ، فذلك ليس في القرآن ، إنما تفسر السماء بما هو فوقك ، من السماء ذات البروج ، ومعنى "ليمدد"، أي ليمتد بالحبل إلى السماء ، ثم ليقطعه فإنه يسقط مختنقا مجندلا ، و"الكيد"التدبير ، وإن الله تعالى ناصر عبده محمدا في الدنيا والآخرة ، ولتذهب نفس أعدائه حسرات ، وكما أن الله تعالى ناصر نبيه في الدنيا والآخرة . ناصر نبيه:مثبت صدق رسالته بالقرآن المبين ، ولذا قال تعالى:
{ وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد 16} .