{بِسَبَبٍ}: السبب كل ما يتوصل به إلى الشيء ،ومنه قيل للحبل سبب ،وللطريق سبب ،وللباب سببكما قال الطبرسي.
{لْيَقْطَعْ}: القطع: معروف ،ومن معانيه الاختناق ،يقال: قطع: أي: اختنق ،وكأنه مأخوذ من قطع النفسكما جاء في الميزان.
{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا والآخرة} ،والضمير في"يَنصُرَهُ "كما قيلراجع إلى النبي ( ص ) الذي كان المشركون في مكة يستهينون به ،ويستصغرون دور رسالته ،ويظنون أنه لا يملك حمل الناس على الإيمان بها ،والدخول في دينه ،واتساع سلطانه ،لأن موقعه الاجتماعي لا يتيح له ذلك ،ولأن رسالته تصدم العقيدة العامة للناس ،لذا كانوا ينتظرون سقوطه وانتهاء دوره بين لحظةٍ وأخرى ،ولكنهم فوجئوا بانتصار رسالته ،وتجسدها في الواقع ،ودخول الناس في دينه أفواجاً ،فغاظهم ذلك وخُيِّب أملهم ،فجاءت الآية لتواجههم بذلك وتقول لمن لم يعجبه الأمر:{فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء} وذلك بأن يمد حبلاً فيربطه بجذع شجرةٍ عالٍ{ثُمَّ لْيَقْطَعْ} الحبل فيختنق به{فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} مما لا يعجبه من نصرة الله لنبيّه ؟!فكأن الآية تؤكد ،بأسلوب يشبه التحدي ،أن من لا يعجبه ذلك ،فلينتحر وليختنق بغيظه ،لأنه لن يحقق ما يحبه مهما فعل ،فإما أن يقبل بالواقع وينسجم معه ،وإمَّا أن ينسحب من الحياة .
وقد فسره البعض بإرجاع الضمير إلى"مَن "،وهو الشخص نفسه الذي يعيش عدم الثقة بالله وبتدبيره لخلقه ،ودفعه الشر عنه وجلبه الخير له ،والآية تدعو هذا الشخص إلى الصعود إلى السماء بأيِّ سببٍ يملكه من وسائل الصعود ،«ثم ليقطع المسافة فلينظر هل ينفعه كيده في إزالة غيظه لما يدعى إليه من دين الله ،فإن الذي حكم الله به لا يبطل بكيد الكائد » .ومن هنا ،فهو لن يستطيع أن يحقق شيئاً لنفسه في الدنيا والآخرة ،لأنه لا يملك من الأمر شيئاً ،فهو إن لم يكن واثقاً بأن الله هو القادر على رفع ما يمكن أن يحلّ به من بلاء الدنيا أو عذاب الآخرة ،فليحاول أن يتوسل الحلّ من قدرته الذاتية ،بعيداً عن الله ،وسيرى أنه لن يقدر على شيءٍ من ذلك ،لأنه مهما حاول الارتفاع صعوداً إلى السماء ،أو النزول هبوطاً إلى الأرض ،فلن يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً إلا بالله ،ولعل هذا الوجه أقرب إلى السياق العام للآيات من الوجه السابق ،لأن إرجاع الضمير في"يَنصُرَهُ "إلى النبي( ص ) لا ينسجم مع عدم ذكره في الآية من قريبٍ أو من بعيد ،والله العالم .