الإشارة إلى نصر الله لمن يبغي عليه بعد أن دافع عن نفسه ، والولوج الدخول في مضيق كما جاء في قوله تعالى:{. . .حتى يلج الجمل في سم الخياط . . . 40} ( الأعراف ) ، وجاء في المفردات قوله تعالى:{ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} تنبيه على ما ركب الله عز وجل العالم من زيادة الليل في النهار ، وزيادة النهار في الليل ، وذلك بحسب مطالع الشمس ومغاربها .
والمعنى أن هذا تنبيه لاختلاف مدار الأرض حول الشمس ، وقربها أو بعدها بجعلها قريبة نسبيا بقدر ضئيل ، فيطول النهار ، وبعيدة نسبيا بمثله فيطول الليل ، وكل شيء عند ربك بمقدر ، وهو الكبير المتعال المالك لكل شيء ، والمسير للكون بإحكام ، وبنواميس لا تتخلف ، كما اختار العزيز الحكيم العالم بكل شيء{ وأن الله سميع بصير} "أن"معطوفة على{ بأن الله يولج الليل في النهار} إلى آخره ،{ وأن الله سميع} لما يجري في الكون ، يعلم علم من يسمع ، و{ بصير} يعلم علم من يبصر لا يغيب عنه شيء في السماء ولا في الأرض .
ويسأل سائل هنا:لماذا ذكر سبحانه وتعالى ذلك في هذا الموضع من نصره سبحانه وتعالى لمن بغى عليه ؟ ، وأنه سبحانه وتعالى يعفو عمن يترك ما يؤذيه إليه سبحانه ، ويغفر له ، والجواب عن ذلك أن الله تعالى ذكر أمرين أو أشار إليهما:
الأمر الأول – أن الله سبحانه ينصر من بعي عليه وأكد سبحانه وتعالى نصره ، بالتوكيدات التي ذكرناها في موضعها .
والأمر الثاني- أن الله تعالى يندب إلى العفو والتسامح عند القصاص ، وفي هذا النص السامي الكوني يشير سبحانه إلى أنه يجعل النصر والهزيمة دولة بين الناس ، والقوة والضعف دولة بين الناس كما يجعل الليل يدخل في النهار ، والنهار يدخل في الليل ، فيزاد هذا تارة وينقص أخرى ، فعلى الدولة المنتصرة أن تذكر أنها قد تنهزم ، فلا تغالي في القصاص ، بل تفتح زاوية للمعروف من العفو والتسامح .
وبذلك يدعو الإسلام إلى أن لا تكون الحروب الإنسانية قاطعة مانعة لكل سلام ، بل يجب أن يشع نور السلام في وقت الحروب العادلة ، إلا أن يكون العدو شرسا كاليهود أعداء الإنسانية .