ولله في خلقه شئون ، وقد انتفى علمهم ، لأنهم حسبوا أنه لا حياة بعد الموت ، ولذا قال عز من قائل:
{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ( 115 )} .
قلنا:إن الآية السابقة فيها إيماء إلى أن الحياة الدنيا أمدها قصير بالنسبة للآخرة ، وإنها لجنة أبدا ولنار أبدا ، وإن ذلك مع ما سبق يتبين أنه لا بد من البعث ، وأن حكمة الخلق والإيجاد للإنسان لا تتحقق إلا به ، ولذا قال تعالى:{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} ( الفاء ) تفيد ترتيب السؤال على ما قبلها ، وهي مؤخرة عن تقديم ؛ لأن أداة الاستفهام لها الصدارة ، والاستفهام للاستنكار أي إنكار ما وقع ، فهم حسبوا ذلك ، وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين ، و{ أنما} أداة حصر ، أي ما خلقناكم إلا عبثا ، أي من غير حكمة باهرة ظاهرة ، والعبث أي من غير حكمة من الله تعالى ، وعبثا منكم أي خلقناكم لتعبثوا من غير طلب مطلوب منكم ، ولا غاية تتجهون إليها ، لتلهو أو تلعبوا وتقولوا وما الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ، ولا محاسب يحاسبكم ،{ وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} الواو عاطفة أي وحسبتم أنكم إلينا لا ترجعون لتحاسبوا على ما كان منكم من لهو عابث ، وتقديم الجار والمجرور يدل على الاختصاص والتهديد بالرجوع إليه سبحانه وتعالى وحده بحيث لا يكون معهم شفيع يشفع ، ولا وليّ يناصر ، ولا فدية تعطى ، بل يؤاخذ كل ما فعل ، إن قليلا ، وإن كثيرا ، وإن خيرا ، وإن شرا ، وأكد سبحانه وتعالى رجوعهم إليه ، بالجملة الاسمية ، وبتصديرها ب ( إن ) الدال على التحقيق ، والله سبحانه وتعالى أعلم .