استجاب الله تعالى لدعاء نوح ، ودبر له الأمر لينجو نوح ومن آمن معه ، وما آمن معه إلا قليل ، وقال تعالى:
{ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ( 27 )} .
أوحى الله تعالى إلى نوح أن يصنع الفلك لينجو فيه من أراد الله تعالى نجاته وهم الذين آمنوا وأهل نوح الذين لم يكفروا ، أن تفسيرية ، لمعنى الإيحاء الذي أوحى به إلى نوح عليه السلام ، فقوله:{ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} ، أي اصنع الفلك برعايتنا ورقابتنا ، كمن يكون تحت العين والبصر ، ولا يعد ذلك تأويلا ، بل إنه ظاهر اللفظ ، من غير تأويل ، فلا حاجة إلى ما قيل إن هذا تأويل كقول الخلف ، ولا إلى القول بأن لله عينا ليست كأعيننا ، كما يدعي أنه قول السلف ( راجع في هذا رسالة الغزالي:إلجام العوام عن علم الكلام ) .
أي أن صناعة الفلك كانت برقابة اللهتعالىورعايته ووحيه في البناء والتصرفات ،{ وَفَارَ التَّنُّورُ} فيه ما يشير إلى أنها كانت تسير ببخار الماء ، وقد أشرنا إلى هذا المعنى في سورة هود .
{ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ} ، أي أدخل فيها من كل صنفين زوجين ذكر وأنثى ، واسلك بمعنى أدخل هي في اللغة ، ومن ذلك قوله تعالى:{ ما سلككم في سقر ( 42 )} [ المدثر] ، أي ما أدخلكم فيها ، وقال تعالى:{ وأهلك} ، أي أدخل أهلك إلا من سبق عليه القول بهلاكهم لأنهم كافرون ، وقد خاطبه نوح في شأن ابنه كما جاء في سورة هود إذ قال نوحعليه السلامإشفاقا على ابنه:{ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي . . .( 45 )} [ هود] ، فقال الله تعالى له:{ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ . . .( 46 )} [ هود] . وقوله:{ من سبق عليه القول} وهو الحكم عليهم بالهلاك ، ولذا تعدى بعلى .