وقوله:( فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنِا وَوَحْيِنَا) يقول:فقلنا له حين استنصرنَا على كَفَرة قومه:اصنع الفلك، وهي السفينة؛ بأعيننا ، يقول:بمرأى منا، ومنظر، ووحينا ، يقول:وبتعليمنا إياك صنعتها، ( فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا ) يقول:فإذا جاء قضاؤنا في قومك، بعذابهم وهلاكهم ( وَفَارَ التَّنُّورُ ) .
وقد ذكرنا فيما مضى اختلاف المختلفين في صفة فور التنور. والصواب عندنا من القول فيه بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
( فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) يقول:فادخل في الفلك واحمل. والهاء والألف في قوله:( فِيهَا ) من ذكر الفلك ( مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ )يقال:سلكته في كذا، وأسلكته فيه، ومن سلكته قول الشاعر:
وكُـنْتُ لِـزَازَ خَـصْمِكَ لَـمْ أُعَـرّدْ
وَقَــدْ سَـلَكُوكَ فِـي يَـوْمٍ عَصِيـبِ (3)
وبعضهم يقول:أسلكت بالألف، ومنه قول الهُذَلي.
حــتى إذَا أَسْــلَكُوهُمْ فِـي قُتـائِدَةٍ
شَـلا كمَـا تَطْـرُدُ الجَمَّالَـةُ الشُّـردَا (4)
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ) يقول لنوح:اجعل في السفينة من كل زوجين اثنين ( وَأَهْلَكَ ) وهم ولده ونساؤهم ( إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) من الله بأنه هالك، فيمن يهلك من قومك ، فلا تحمله معك، وهو يام الذي غرق.
ويعني بقوله:( مِنْهُمْ ) من أهلك، والهاء والميم في قوله ( منهم ) من ذكر الأهل.
وقوله:( وَلا تُخَاطِبْنِي ) الآية، يقول:ولا تسألني في الذين كفروا بالله أن أنجيهم.
( إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ) يقول:فإني قد حتمت عليهم أن أغرق جميعهم.
------------------------
الهوامش:
(3) البيت لعدي بن زيد العبادي (انظر شرحنا له في ص 82 من الجزء الثاني عشر من هذا التفسير ، وقد استشهد به المؤلف هناك عند قوله تعالى{ وقال هذا يوم عصيب) أي شديد واستشهد به هنا على أنه يقال:سلكته في كذا بمعنى أدخلته فيه وأسلكته فيه ، والبيت شاهد على الأول . قال في اللسان ( اللسان:سلك) والسلك ، بالفتح:مصدر سلكت الشيء في الشيء ، فانسلك أي أدخلته فيه فدخل . قال عدي بن زيد:"وكنت لزاز ....."كما استشهد به المؤلف مرة أخرى في ( 14:9) من هذه الطبعة عند قوله تعالى:{كذلك نسلكه في قلوب المجرمين} فراجعه ثمة.
(4) البيت لعبد مناف بن ربع الهذلي ( اللسان:سلك) . قال:وسلك المكان يسلكه سلكًا وسلوكًا ، وسلكه غيره ( بنصب غير ) وفيه ، وأسلكه إياه ، وفيه ، وعليه ( بمعنى أدخله فيه ) قال عبد مناف بن ربع الهذلي:"حتى إذا أسلكوهم ... البيت ". وقد سبق استشهاد المؤلف بالبيت في ص 9 من الجزء الرابع عشر من هذه الطبعة ) عند قوله تعالى:{ كذلك نسلكه في قلوب المجرمين} فراجعه ثمة .