ولذا قال تعالى ذاكرا رسلهم المرسلين إليهم فقال:
{ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ ( 44 )} .
ذكر{ ثم} هنا كما أشرنا لتطاول الأزمنة ، وقوله تعالى:{ تترا} أصلها وترى ، والألف للتأنيث كما قال الزمخشري أو للإلحاق ، وهناك قراءة بالتنوين ، أي تترا{[1542]} ، والمعنى واحد ، أي أرسلنا رسلنا وترا ، أي واحدا بعد واحد{ كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ} ومجيء الرسول لأمة هو مجيء دعوته ورسالته التي كلفه الله تعالى بتبليغها ، فليس مجيء الرسول مجيء شخصي مجرد ، إنما مجيئه بوصف كونه رسولا من الله تعالى ، وبهذا الوصف يكون مجيء الرسالة ، والتكذيب له في هذه الرسالة مع أنه في كل الأحوال معروف بالصدق بينهم ، ولا يختار الرسول إلا من الصادقين أهل الأمانة .
{ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا} الضمير يعود إلى المكذبين ، والإتباع إنما هو إتباع المكذبين بالإهلاك أي بعضهم في الهلاك يتبع من سبقوه ، فتوالى الإرسال ، وتوالى الجحود ، وتوالى الهلاك من بعد ذلك ، وقد صاروا بعد الهلاك المتعاقب أحاديث تذكر للعبرة والاعتبار ، و( أحاديث ) اسم جنس لحديث .
والمعنى أنهم بعد هلاكهم المتوالي في العصور والأزمان صاروا أحاديث للناس يعتبر بها من يعتبر ، ويستبصر بها من يستبصر ، ويتلهى بها من يتلهى بأخبار الأولين .
{ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ} ، أي فهلاكا لقوم لا يؤمنون ، أي ليس من شأنهم الإيمان والإذعان للحق المبين ، والفاء للسببية أي بسبب ذلك التكذيب المتتابع ، والهلاك المترادف تكون الدعوة بالهلاك للذين لا يؤمنون ، ويتجدد كذبهم آنا بعد آن .