وتكشف الآية التالية حقيقة استمرار بعث الأنبياء عبر التاريخ بالدعوة إلى الله حيث تقول: ( ثمّ أرسلنا رسلنا تترا ) .
كلمة «تترا » مشتقّة من «الوتر » بمعنى التعاقب ،و «تواتر الأخبار » تعني وصولها الواحد بعد الآخر ،ومن مجموعها يتيقّن الإنسان بصدقها ،وهذه الكلمة مشتقّة في الأصل من «الوتر » بمعنى حبل القوس حيث يتّصل الحبل بالقوس من جهتيه ويقع خلفه ليقرب رأسي القوس ( ومن حيث التركيب فإنّ كلمة «تترا » في الأصل «وترا » تبدّلت الواو فيه تاءً ) .
وعلى كلّ حال فإنّ معلّمي السّماء ،كانوا يتعاقبون في إرشاد الناس ،إلاّ أنّ الأقوام المعاندة كانوا يواصلون الكفر والإنكار ،فإنّه: ( كلّما جاء اُمّة رسولها كذّبوه ) .
وعندما تجاوز هذا الكفر والتكذيب حدّه وتمّت الحجّة عليهم .( فاتّبعنا بعضهم بعضاً ) .
أي أهلكنا الأمم المعاندة الواحدة بعد الأخرى ومحوناهم من الوجود .
وقد تمّ محوهم بحيث لم يبق منهم سوى أخبارهم يتداول الناس ( وجعلناهم أحاديث ) .إشارة إلى أنّ كلّ اُمّة تتعرّض للهلاك ،ويبقى منهم بعض الأفراد والآثار هنا وهناك ،وأحياناً لا يبقى منهم أي أثر .وهذه الاُمم المعاندة والطاغية كانت ضمن المجموعة الثّانية{[2703]} .
وتقول الآية في الختام ،كما ذكرت الآيات السابقة ( فبعداً لقوم لا يؤمنون )أجل ،إنّ هذا المصير نتيجة لعدم الإيمان بالله ،فكلّ مجموعة لا إيمان لها ،معاندة وظالمة ،تبتلى بهذا المصير ،فتمحق بشكل لا يبقى إلاّ ذكرها في التاريخ وأحاديث الناس .
وهؤلاء لم يكونوا بعيدين عن رحمة الله في هذه الدنيا فحسب ،بل بعيدون عن هذه الرحمة في الآخرة أيضاً ،لأنّ تعبير الآية جاء عامّاً يشمل الجميع .