44 - ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ...
تترى: من المواترة ،وهي التتابع بين الأشياء ،مع فترة ومهلة بينها .
أحاديث: واحدها أحدوثة ،وهي ما يتحدث به تعجبا منه وتلهيا به ،وقد جمعت العرب ألفاظا على أفاعيل كأباطيل وأقاطيع ،وقال الزمخشري: الأحاديث اسم جمع للحديث ،ومنه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،ولكن الجمهور على أنه جمع .
ثم أرسلنا رسلنا متتابعين ،يتبع بعضهم بعضا ،إلى الأمم التي جاءت بعد هلاك من سبقوهم ،فقد أرسلنا إلى كل أمة رسولا خاصا بهم .
كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ...
أي: سلكت كل أمة في تكذيب رسولها مسلك من سبقها من المكذبين ،كأنما وصى السابق منهم اللاحق بأن يكذب الرسل .
قال تعالى: أتواصوا به بل هم قوم طاغون .( الذاريات: 53 ) .
وقال سبحانه: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ .( إبراهيم: 13 ) .
والظاهرة الملحوظة اجتماع الكفار على مقولة واحدة مع أن الواقع أن قوم نوح كذبوا نوحا ،وأن قوم هود كذبوا هودا وحده ،وكذلك قوم صالح وقوم شعيب وقوم موسى وقوم عيسى وقوم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؛لكن التكذيب لما كان واحدا في مضمونه ؛جمعه الله على لسان الكافرين ،وكأن كل أمة حين تكذب رسولها ،قد كذبت بالرسالات جميعها ،وهذا التكذيب ،والإهلاك للمكذبين ،تكرر في آيات القرآن ؛لتثبيت فؤاد النبي ،وشد أزره ومواساته على تكذيب قومه ،وقريب من ذلك قوله تعالى: مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ .( الأنبياء: 6 )
أي: لم تؤمن الأمم السابقة التي قدر الله إهلاكها عقوبة لها ،فقد أغرق قوم نوح لتكذيبهم نوحا ،وكذلك أهلك قوم هود وقوم صالح وقوم شعيب ومن بعدهم ،وكذلك قوم محمد اشتد عنادهم وتكذيبهم في مكة ،شأنهم شأن من سبقهم من المكذبين بيد أن الله أمهلهم ،وقال سبحانه: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ...( الأنفال: 33 ) .
فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا ...
فأهلكنا بعضهم في أثر بعض حين تألبوا على رسلهم وكذبوهم .
وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ...أي: أخبارا تروى وأحاديث تذكر ،يتحدث الناس بما جرى عليهم تعجبا وتسلية .
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى: فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق ...( سبأ: 19 ) .
وهذه الجملة: فجعلناهم أحاديث ...إنما تقال في الشر ،ولا تقال في الخير ،كما يقال: صار فلان حديثا ،أي: عبرة .
فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ .
أي: فأبعد الله قوما لا يؤمنون به ولا يصدقون برسوله .