إن النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الحق الخالص ، لا يسألهم أجرا ، ولا جزاء ولا سلطانا ، ولذا قال تعالى:
{ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ( 72 )} .
{ أم} تتضمن معنى بل ، وهمزة الاستفهام ، والإضراب إضراب انتقالي ، فنقلهم سبحانه من الحكم بأنهم يتبعون أهواءهم ، إلى مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه لا يطلب منهم مالا ، ولا سلطانا ، والاستفهام هنا لإنكار الوقوع ، أي لا يسألكم خرجا والخرج المال الذي يأخذه السلطان من الرعية ، والخراج العطاء الكثير ، ما سألتهم خرجا حتى يدعوا أنك تريد سلطانا عليهم وجاها ، فما أعطاه الله تعالى خير ، وهو كثير ، وهو ربك وكافلك ، ومديم العطاء عليك ، وهو مغنيك دائما عن الناس ، وهو خير الرازقين ، فرزقه خير الأرزاق ، وافر يتفضل على من وقف على بابه ، والمعنى خراجه أي عطاؤه أغلى رزق وعطاء ، وليس فوقه رزق لطالب رزق ، ويصح أن نقول:إن المراد من خراج الله تعالى نعمة على محمد صلى الله عليه وسلم ، وهي نعم معنوية ، فما كان محمد صلى الله عليه وسلم معروفا بالمال ، إنما كان معروفا بالسمو الإنساني الكامل الذي لم يناصبه أحد فيه ؛ ولذا اجتباه رب العالمين خاتما للنبيين ، وكان آخر لبنة في صرح الرسالات الإلهية .
ولقد قال الزمخشري كلمة بليغة في معنى هذه الآية:قد ألزمهم الحجة في هذه الآيات ، وقطع معاذيرهم ، وعللهم ، بأن الذي أرسل إليهم رجل معروف أمره وحاله ، مخبور سره وعلنه ، خليق بأن يجتبي مثله للرسالة من بين ظهرانيهم ، وأنه لم يعرض له حتى يدعي بمثل هذه الدعوى العظيمة بباطل ، ولم يجعل ذلك سلما للنيل من دنياهم واستعطاء أموالهم ، ولم يدعهم إلا إلى الإسلام الذي هو الصراط المستقيم مع إبراز المكنون من أدوائهم ، وهو إضلالهم بالتدبر والتأمل وتعللهم بأنه مجنون بعد ظهور الحق وثبات التصديق من الله بالمعجزات والآيات المنزلة ، وكراهيتهم للحق وإعراضهم عما فيه حظهم من الذكر . ا ه ملخصا .