قوله تعالى:{أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَازِقِينَ} .
المراد بالخرج والخراج هنا: الأجر والجزاء .
والمعنى: أنك لا تسألهم على ما بلغتهم من الرسالة المتضمنة لخيري الدنيا والآخرة ،أجرة ولا جعلا ،وأصل الخرج والخراج: هو ما تخرجه إلى كل عامل في مقابلة أجرة ،أو جعل .وهذه الآية الكريمة تتضمن أنه صلى الله عليه وسلم ،لا يسألهم أجراً ،في مقابلة تبليغ الرسالة .
وقد أوضحنا الآيات القرآنية الدالة على أن الرسل لا يأخذون الأجرة على التبليغ في سورة هود ،في الكلام على قوله تعالى عن نوح:{وَيا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ} [ هود:29] .وبينا وجه الجمع بين تلك الآيات ،مع آية:{قُل لاَّ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبَى} وبينا هناك حكم أخذ الأجرة ،على تعليم القرآن وغيره ،فأغنى ذلك عن إعادته هنا .وقرأ هذين الحرفين ابن عامر: خرجا فخرج ربك ،بإسكان الراء فيهما معاً ،وحذف الألف فيهما ،وقرأ حمزة والكسائي: خراجاً فخراج ربك بفتح الراء بعدها ألف فيهما معاً ،وقرأ الباقون: خرجا فخراج ربك بإسكان الراء ،وحذف الألف في الأول ،وفتح الراء وإثبات الألف في الثاني ،والتحقيق: أن معنى الخرج والخراج واحد ،وأنهما لغتان فصيحتان وقراءتان سبعيتان ،خلافاً لمن زعم أن بين معناهما فرقاً زاعماً أن الخرج ما تبرعت به ،والخراج: ما لزمك أداؤه .
ومعنى الآية: لا يساعد على هذا الفرق كما ترى ،والعلم عند الله تعالى .وصيغة التفضيل في قوله:{وَهُوَ خَيْرُ الرَازِقِينَ} نظراً إلى أن بعض المخلوقين يرزق بعضهم كقوله تعالى:{وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [ النساء:5] وقوله تعالى:{وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} [ البقرة:233] .ولا شك أن فضل رزق الله خلقه ،على رزق بعض خلقه بعضهم كفضل ذاته ،وسائر صفاته على ذوات خلقه ،وصفاتهم .