يذكرون الله في الشدة ولا يذكرونه في الرخاء
إن من شأن من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ، أن يكون إحساسه خاضعا للساعة التي يكون فيها لا ينفذ ببصيرته إلى ما وراءها فيقول في كل شيء:ما هي إلا حياتنا الدنيا ، ولا يفكر إلا في الحالة التي تظله .
ومن شأنه أنه إذا نالته شدة أحس بسلطان الله تعالى ، وأنه كاشف الضر ، فإذا زال عنه الضر عاد إلى كفره ، وهذا المعنى بصوره قوله تعالى:{ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ( 12 )} [ يونس] .
لقد تضرع المشركون لبلاء نزل بهم فرقّ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الله تعالى مبينا سنته فيهم وفي أمثالهم:
{ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ( 75 )} .
أي لو غمرناهم برحمتنا في وقت شدتهم ، فأزلنا عنهم الغم ، وكشفنا الضر من مرض أو بلاء لاستمروا لاجين في ظلمهم الطاغي يعمهون ، الكشف كناية عن ذهاب الضر ، لأن الضرر يكون كالغمة ، وكشفها إزالة كربها ، وما المراد من الرحمة وكشف الضرر أهو زواله بعد النزول ، أم أنه يستمر في الرحمة بأن يتمتع بنعمة الصحة والعافية وعدم وجود الضرر ؟ إن الآية تحتملهما ، وإن الرحمة هي التمتع بمتع الحياة ، وعدم نزول الضرر ، بل هو مكشوف عنها كل ضرر يحتمل أن يوجد ، ويكون المعنى أن النعمة تغرهم فيكفرونها ، وعدم نزول ضرر بهم كذلك ، فيستمرون في حالهم لجين فيها و{ في طغيانهم} أي في ظلمهم الطاغي{ يعمهون} ، أي يترددون ويتحيرون ، فإن الطاغي متردد متحير دائما ، إذ إن للفطرة العادلة صوتا وإن لم يكن مجلجلا ، والظلم لجلج دائما ، وإذا رأيت الظالم يعنف دائما ، فاعلم أن ذلك لإسكات الصوت الخفي الذي ينبعث خافتا ليسكته .
وعلى الاحتمال الآخر ، وهو أن هذا يكون بعد نزول ضرر وكشفه ، فإنه واضح ، ولكن نحن نرجح الأول لقوله تعالى:{ للجوا}إلى آخره ، لأن اللجاجة استمرار الحال قائمة ، والشدة فيها ، ويكون المعنى أن استمرار النعمة عليهم تطغيهم بالظلم ، وتغريهم بالشر .