/م63
75 - وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ .
لج في الأمر: تمادى فيه .
يعمهون: يتحيرون ويترددون في الضلال .
لقد غلب عليهم العناد ،وغلبت على طبيعتهم المكابرة ،فإن أصيبوا بالقحط والبلاء لم تلن قناتهم ،ولم يتضرعوا إلى ربهم ،ولو أسبغنا عليهم واسع رحمتنا ،وأزحنا عنهم الضر لما آمنوا بالقرآن ،ولما انقادوا له ،ولتمادوا في ضلالهم ،ولاستمروا على كفرهم وعنادهم وطغيانهم ،وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا عليهم فقال: ( اللهم اشدد وطأتك على مضر ،واجعلها عليهم سنين كسني يوسف )xxiii .
وقد حقق الله دعاء نبيه ،فأصاب أهل مكة القحط والجوع ،فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأله صلة الرحم ،والشفقة بأهل مكة ،وكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقول له: ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين ،فقد قتلت الآباء بالسيف ،والأبناء بالجوع ،وأنك تأمر بصلة الرحم ،وإنك قد قطعت أرحامنا .
وكان ذلك قبل الفتح بقليل ،وكان ثمامة بن أثال الحنفي قد أسلم ،وتسبب في منع الميرة من اليمامة إلى أهل مكة حتى أضربهم الجوع ،وأكلت قريش العلهز – وهو طعام يؤكل في المجاعة من الدم والوبر ،ويطلق أيضا على القراد الضخم – فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ثمامة – رضي الله عنه -: ( خل بين قومي وبين ميرتهم ) .ففعل ،وقد نزلت الآية الكريمة ،لتبين أن كشف الضر عنهم ،بسعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،وكتابته إلى ثمامة ،لن يؤثر في قلوبهم المريضة ،بل سيستمرون على عنادهم وطغيانهم وكفرهم ،وسيظلون متحيرين مترددين .
قال تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ .( الأنفال: 23 ) .