ولقد قال الله تعالى مستنكرا حالهم هذه:
{ أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( 50 )} .
هذا استفهام توبيخي ، وهو إنكار للواقع من أمرهم ، والمرض الذي يصيب القلب إما النفاق ، وإما ضعف الإيمان ، فهو تشبيه للمرض النفسي من ضعف الإيمان بالحقائق وعدم الإذعان للأحكام الشرعية ، بالمرض الجسمي الذي يضعف فيه الجسم ، وقد تدرج سبحانه في توبيخ من هذا حاله فابتدأ بضعف الإيمان والنفاق ، ثم ثنى في التوبيخ بأنهم واقعون في الارتياب في حقائق أصل الدين والإيمان ، ثم قال سبحانه ما هو أعظم من ذلك فقال:{ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} ، يحيف معناها يجوز في الحكم ، ولا يجدون العدل عند الله ورسوله ، وهذا انتقال من دركة إلى دركة في التوبيخ ، فوبخوا أولا بضعف الإيمان ومرض القلوب ، ثم كان التوبيخ ، لأنهم يرتابون في الحقائق الإسلامية ثم كان التوبيخ الأشد ؛ لأنهم يحسبون أن الله ورسوله يجوران ، فكان ذلك ترقيا في التوبيخ ، حتى وصل أعلاه وهو الكفر البواح برمي الله تعالى بالظلم ، وهم الظالمون ، ولذا قال تعالى:{ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} "بل"للإضراب ورد ما يومئ إليه حالهم ، فهم الظالمون لأنفسهم بالضلال الذي اختاروه ، وهم الظالمون لأنهم اختاروا الحكم الظالم ، وتجانفوا عن الحق للإثم ، وقد أكد الله تعالى ظلمهم بالجملة الاسمية ، وبقصرهم على الظلم ، وقصر الظلم عليهم ، وبكلمة ( هم ) ضمير الفصل المؤكدة لظلمهم .