/م46
وبيّنت الآية الأخيرة في ثلاث جمل ،الجذور الأساسية ودوافع عدم التسليم إزاءَ تحكيم الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت أوّلا ( أفي قلوبهم مرض ) .
هذه صفة من صفات المنافقين يتظاهرون بالإيمان ،ولكنّهم لا يُسلِّمون بحكم الله ورسوله ،ولا يستجيبون له ،إمّا بسبب انحرافهم قلبياً عن التوحيد أو الشك والتردد ( أم ارتابوا ) وطبيعي أنّ الذي يتردّد في عقيدته ،لن يستسلم لها أبداً .
وثالثها فيما لو لم يلحدوا ولم يشكوا ،أي كانوا من المؤمنين: ( أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ) .
في الوقت الذي يعتبر هذا تناقضاً صريحاً ،إذ كيف للذي يؤمن برسالة محمد( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويعتبر حكمه حكم الله تعالى أن يَنْسِب الظلم إلى الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟!
وهل يمكن أن يظلم الله أحداً ؟
أليس الظلم وليد الجهل أو الحاجة أو الكبر ؟
إنّ الله تعالى مقدَّس عن كلّ هذه الصفات ( بل أُولئك هم الظالمون ) إنّهملا يقتنعون بحقّهم ،وهم يعلمون أنَّ النّبي الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يجحف بحقِ أحد ،ولهذالايستسلمون لحكمه .
ويرى مفسّر «في ظلال القرآن »: في الآية: ( أفي قلوبهم مرض ؟أم ارتابوا ؟أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ؟) أنّ السؤال الأوّل للإِثبات ،أي لإثبات وجود مرض النفاق في قلوبهم فمرض القلب جدير بأن ينشىء مثل هذا الأثر .
والسؤال الثّاني للتعجب ،فهل هم يشكّون في حكم الله وهم يزعمون الإيمان ؟هل هم يشكّون في مجيئه من عند الله ؟أو هم يشكّون في صلاحيته لإقامة العدل ؟
والسؤال الثّالث لاستنكار أمرهم الغريب ،والتناقض الفاضح بين إدعائهم وعملهم .
وإنّه لعجيب أن يقوم مثل هذا الخوف في نفس إنسان ،فالله خالق الجميع وربّ العالمين ،فكيف يحيف في حكمه على أحد من خلقه لحساب مخلوق آخر{[2786]} .
وما يورده هذا المفسّر هو أنَّ عبارة «أم ارتابوا » تعني الشك في عدالةِ الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفي صحة تحكيمه في الوقت الذي يرى كثير من المفسّرين أنَّهُ الشكُ في أصل النّبوة كما هو الظاهر .
/خ50