ومع هذه القدرة القاهرة ، والعجائب الباهرة ، وكما رأيت من مد الظلال ، وخلق الليل والنهار ، ومرج البحرين ، وخلق الإنسان من ماء ، مع كل هذا تجد الذين سيطرت أوهامهم يعبدون حجارة لا تنفع ولا تضر ، ولذا قال سبحانه عقب ذلك:{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} .
{ ويعبدون} الواو هنا واو الحال ، والمعنى:هذه قدرة الله القاهرة الباهرة مع أنهم لم يعتبروا ولم يدركوها ، والحال أنهم يعبدون من دون الله أحجارا ، أو ما يشبهها لا تنفعهم بشيء قط بحيث يعبدونها رجاء ، ولا تستطيع ضررا لهم فتكون العبادة دفعا لهذا الضرر ، فهي لا حياة لها ، وهي دونهم ، ولكن الوهم جعلهم يعبدونها ، مع هذه الحال .
وقال تعالى:{ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} روى عن مفسري السلف ، أن ظهيرا معناها أن الكافر يظاهر الشيطان على الله تعالى ، إذ يدليه بغروره فلا يعبد الله ، ويعبد الحجارة ، وهذه المظاهرة على الله تعالى ربه الذي خلقه وأنعم عليه ، وأسبغ عليه ظاهرا وباطنا ، وذكر الكافر بالوصف ، للإشارة إلى أن سبب ذلك هو ضلال الكفر وطمسه لبصيرة عابد الأوثان .
وفسر بعض العلماء{ ظهيرا} أي مهينا ، والمعنى هينا على ربه لا يضره كفره ، وقالوا إن ذلك من قولهم ظهرت عليه ، أي جعلته وراء ظهري ، لا ألتفت إليه ، ولا أهتم به ، وذلك قريب من قوله تعالى:{. . . واتخذتموه وراءكم ظهريا . . . ( 92 )} [ هود] ، وهذا القول قاله أبو عبيد ، وهو قائم على أن ظهير بمعنى مظهور أي ملقي وراء ظهره .
والمعنيان متلاقيان ، فالكافر حليف الشيطان هو الذي يدفعه دفعا إلى معاندة الله تعالى ، وهو هين على الله تعالى وليس له عند الله إلا مكان الهون .