من قصة صالح وثمود
بعد ذكر قصة سليمان ملك الأنبياء ، وكيف كانت حياته وملكه ونبواته معجزات متوالية ، وكل شيء كان يجري بأمر خالد ، ذكر سبحانه قصص بعض الأنبياء ، وابتدأ من بعده بصالح ، وهو صورة لنبي لم يكن ملكا بل كان من الشعب ، همّ قومه أن يقتلوه .
وليس في قصة صالح وثمود تكرار ، بل ذكر فيه ما لم يذكر في غير هذا الموضع ، ولم يذكر فيه ما ذكر في غيره ، لم تذكر المعجزة وهي الناقة ، وما كان منهم من اعتداء عليها ، وذكر هنا الائتمار على قتل صالح وامرأته ، ولم ينجه منهم إلا إنزال العذاب بهم ، وما ترك العذاب فيهم من عبر .
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ( 45 )} .
الواو استئنافية أكد الله تعالى الإرسال حيث دعت دواعيه ، وأكده باللام ، وقد ، وإضافة الإرسال إلى
ذاته العلية ، وذكر سبحانه أن الإرسال كان بإرسال أخيهم أي أنه واحد منهم يعرف أمرهم وحالهم ، وهو رءوف عليهم شفيق بهم قد عرفوا صدقه وأمانته وحبه لهم ، وإلفهم به ، وكانت الرسالة هي عبادة الله تعالى وحده ، ولذا قال:{ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أن تبشير لمعنى الرسالة ، وعبادة الله لا تتحقق إلا بأن تكون العبادة لله تعالى وحده ، لا يشرك به شيئا ، فإذا عبد مع الله غيره فقد أشرك ولم يعبد الله تعالى ، لقد كانوا يعبدون الأوثان فلم يكونوا يعبدون الله فكان أمرهم بعبادة الله وحده متضمنا لنهيهم عن عبادة غيره من الأوثان وغيرها ، وإن الشرك أمر تنكره العقول المستقيمة ، وتعافه النفوس القويمة ، ولذا كانت المفاجأة ألا يختلفوا في عبادة الله فمنهم من اهتدى ومنهم من حقت عليه الضلالة ، ولذا قال تعالى:{ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} ، الفاء وإذا للمفاجأة الفاء واقعة لترتيب ما بعدها على نقيض ما قبلها ، ولذا كانت المفاجأة بها وبإذا بعدها ، فريقان:فريق أطاع واهتدى ، وفريق ضل وغوى ، وهم يختصمون أي يختلفون ويكون كل فريق خصما للآخر يجادله لإثبات الحق والدعوة إلى الحق ، ويستمسك الباقون على شركهم بما كان عليه آباؤهم .
وقد أنذر صالح الضالين بالعذاب الشديد ، وأن الله تعالى آخذ بالنواصي ، فقالوا كما في آيات أخرى:ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ، ولكنه يرجو لهم الهداية بدل العذاب .