وتتحدث السورة عن قصة صالح مع قومه ثمود في إجمال الموقف الذي يثير المسألة في الذهنية المعقّدة المتشنّجة التي كان فيها الكافرون يتحركون على أساس إهلاك الرسول تنفيساً للعقدة ،ورفضاً للفكر والحوار ،فكان جزاؤهم أن أهلكهم الله بعذابه ،وأنجى الرسول والمؤمنين معه ،ولم يحصل الكافرون على أيّة نتيجةٍ من ذلك كله .
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ} في ما تمثله كلمة العبادة من اختصارٍ للرسالة في كل أفكارها وتطلعاتها ،لأنها تعني الإيمان بالله والحركة المتنوعة في هذا الاتجاه ،بحيث لا يخضع الإنسان في كل تفاصيل حياته إلا لله ،ولا يتجه في فكره وشعوره وحياته إلا إليه .
{فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} فهناك فريق الإيمان الذي انفتح عقله على الدعوة ،ففكر بها ودخل مع الرسول في حوارٍ إيجابي حولها واقتنع بها على هذا الأساس ،وهناك فريق الكفر الذي أغلق عقله وشعوره عنها واستسلم لغرائزه العدوانية ،فلم يُقبل على مناقشة الطرح الإيماني ولم يرد أن يحرّك خطواته في هذا الاتجاه ،لأن الرفض لم يكن عنده حركة فكر بل حركة عقدةٍ .
وقد نستوحي من بعض الآيات القرآنية السابقة في سورة الأعراف أن المؤمنين هم المستضعفون الذين تتحرك الرسالة من أجل إعادة الاعتبار إلى إنسانيتهم في مجتمع الامتيازات الظالمة الذي يعمل على إلغائها ،فيقبلون عليها من مواقع فطرتهم الصافية ،أمَّا الكافرون ،فهم المستكبرون الذين تنطلق الرسالة من أجل إعادتهم إلى مواقع الصفاء في الشعور الإنساني العميق الذي يعمل على إبعادهم عن الظلم والعدوان والتكبر ،وتحويلهم إلى العدل والمحبة والتواضع ،وإلغاء الامتيازات الظالمة في تعاملهم مع الناس ،وهذا ما جاءت به الآية الكريمة في قوله تعالى:{قَالَ الْمَلاَُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [ الأعراف: 7576] .ويظهر من الآية أن المستكبرين قد سيطروا على بعض المستضعفين فأبعدوهم عن الإيمان .