{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ} وهو البناء المشرف العالي الذي كان معداً لنزولها كضيفةٍ محترمةٍ ،مما كان متعارفاً عليه من تكريم العظماء في استقبالهم وإعداد المكان اللائق بهم{فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً} وهي الماء الكثير{وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} كما يفعل الإنسان عند خوضه الماء ،لئلا تبتل ثيابها .وقد كان ذلك من خلال صفاء الزجاج الذي يشبه صفاء الماء الذي كان يجري من تحته ،حتى خيِّل إليها أنها تخوض في الماء ،{قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ} فهو مملّس من الزجاج وليس بلجة ،وكانت تنظر إلى كل هذا الجو المثير الذي يوحي بالعظمة التي تفوق عظمة الملوك وتلتفت إلى سليمان ،فترى فيه تواضع الأنبياء ،ورحمة الرساليين ،فلم تلمح فيه أي تكبر أو تجبر ،بل كانت تجد فيه الوداعة والصفاء والروحية الطاهرة .وربما دخلت معه في حوار طويل حول عبادة الشمس وعبادة الله ،فاقتنعت بمنطقه ،وعرفت حقيقة الأمر في العقيدة مما لم يفصل القرآن حديثه ،على طريقته في اختصار التفاصيل ،لاهتمامه بالنتائج المتحركة في خط الهداية ،لأن طبيعة الجو الذي انتهت إليه القصة يوحي بمثل ذلك .
{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} في ما أسلفته في حياتي الماضية من عبادة غيرك ومن السير في خط الضلال الذي أبعدني عن طاعتك ورضاك ،وها أنا الآن تائبة إليك نادمة على ما مضى ،وعازمة على السير في الخط المستقيم في العقيدة والطاعة ،{وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} لأنه ليس ملكاً يريد أن يضم الناس إلى سلطته من موقع ذاتي ،بل هو رسول يريد أن يجمع الناس حول رسالته ،ويدلهم على رب العالمين ،ما يجعل القلوب مفتوحة عليه ،والعقول منقادةً إليه ،وهو ما يجعل الناس تسير معه ولا تسير وراءه .وهكذا استطاع سليمان من موقع القوّة التي حطّمت الحواجز ،وأسقطت روح التمرّد لديها ،أن ينفذ إلى عقلها وقلبها من خلال انفتاح الفطرة الصافية على كلماته ورسالته ،وقد يكون هذا الأسلوب حركةً واقعية في طريق الهداية عندما تكون القوّة سبيلاً إلى تحطيم الحواجز ،لتنطلق الكلمة في الساحة الواسعة التي ينفتح فيها العقل والقلب والوجدان على الحقيقة كلها في مواقع الصفاء .