{ إن تمسسكم حسنة تسؤهم إن تصبكم سيئة يفرحوا بها} هذه صورة واضحة لأنهم لا يحبون المؤمنين ، ويغيظهم صلاح حال المؤمنين ،وإمداد الله تعالى بالنصر لهم ، والمعنى أن أنزل الله لكم نعما ونصرا وأمرا حسنا نافعا في ذاته ويحسن في نظركم وينفعكم ساءهم ذلك ، وأثار غيظهم وحسدهم ، وإن نزلت بكم شديدة وأمر يسوء يفرحوا ، وتستطار ألبابهم سرورا وحبورا ، وقد عبر سبحانه وتعالى في جانب الحسنة بقوله:{ إن تمسسكم حسنة} وفي جانب السيئة بقوله:{ وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها} للإشارة إلى تمكن الحقد والحسد في قلوبهم بحيث إن أي حسنة ولو مست ولم تغمر وتعم- تسؤهم ؛ لأنهم يستكثرون كل خير للمؤمن مهما ضؤل كالشأن في كل الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ، ولا يفرحوا بالمصيبة التي تمس ، فإنها لا تشفى غيظهم بل لا يفرحون إلا بالمصيبة التي تغمر وتعم وتستمر .
وإن هذا كله يدل على أنهم يكيدون للمؤمنين ويبالغون في الكيد لهم ، وإن دفع هذا الكيد يستدعي الصبر والتقوى ، ولذا قال سبحانه:{ وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا} .
أي إن تصبروا ،فتضبطوا أنفسكم ولا تناسقوا في محبة من لا يستحق المحبة ، وتتحملوا مشاق التكليفات ، وتقاوموا العداوة بمثلها ،وتردوا اعتداءهم بمثله ، وتتقوا الله تعالى ، وتتقوا أذاهم ، فلا تتخذوا منهم بطانة- إن فعلتم ذلك لا يضركم كيدهم وتدبيرهم السيئ شيئا من الضرر مطلقا ، وإن لم تفعلوا ذلك فلم تأخذوا حذركم منهم ، وسهلتم دخول الغفلة عليكم ، ولم تضبطوا أنفسكم عن محبتهم ، فإنهم يستمكنون منكم بكيدهم ، ولا منجاة لكم من شرهم .
وقد قرئ قوله تعالى:{ لا يضركم} بالضم على أن ذلك من قبيل التخلص من التقاء الساكنين بالضم ، فإن الفعل مجزوم ، فيفك الإدغام ، ويتخلص من التقاء الساكنين بالضم او الفتح ، وقد قرئ بالفتح ، كما قرئ"لا يضركم"من ضار يضير بمعنى ضر يضر .
{ إن الله بما يعملون محيط}ذيل الله سبحانه الآية بهذا النص ، ليطمئن المؤمنين ويهدد الكافرين ، فالمعنى:الله تعالى محيط بما يعملون إحاطة علم وإحاطة قدرة ،وإحاطة العلم فيها بيان انه لا تخفى عليه خافية من كيدهم ، وإحاطة القدرة مؤداها انه محبط كل ما يدبرون{ ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين54}[ آل عمران] .
هذه وصايا الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بالنسبة لسياسة أمورهم مع مخالفيهم ، يحترسون منهم ، ولا يفرطون في الثقة بهم ، فلا يتخذوا منهم بطانة وخاصة ، وإلا كان الدمار والبوار والخبال ، وهكذا نحن الآن ، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا .