[ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ] وتحزنهم عندما يرون من لطف اللّه بكم بما تفتحونه للإسلام من ساحات جديدة وفتح جديد ،[ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا] فإذا أصابكم العدوّ بسوء أو هزيمة أو حدث في داخلكم مشكلة أو فتنة ،فإنَّهم يظهرون الشماتة والفرح بذلك ،ولكن ذلك كلّه لا يحقّق لهم أيّة غاية مما يريدونها ،ولا ينزل بكم شرّاً لأنَّهم لا يملكون لكم أيّ ضرر إلاَّ بمشيئة اللّه ،[ وَإِن تَصْبِرُواْ] على هذه المرحلة انتظاراً للنتائج الأخيرة التي أعدّها اللّه لكم بالنصر الذي يحتاج إلى بعض الجهد والوقت ،[ وَتَتَّقُواْ] بالالتزام بأوامره ونواهيه في حالة الحرب والسلم والشدّة والرخاء ،[ لا يضُّرُّكُمْ كَيْدُهُم شَيْئاً] ،لأنَّ اللّه هو الذي يملك النفع والضرر ،فلا يحدث منهما شيء إلاَّ بإذنه ،]إِنَّ اللّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[ فلا يغيب عنه شيء من أمرهم أو مخططاتهم ،وهو القادر على دفع ذلك عنكم أيُّها المؤمنون الموحّدون .
مفهوم إسلامي للعمل:
إنَّ فكرة هذه الآيات تُعطينا مفهوماً إسلامياً للعمل في نطاق العلاقات الاجتماعية ،وخلاصته أنَّ على المؤمنين أن يدرسوا طبيعة المواقف الفكرية المبدئية التي يتخذها الآخرون تجاههم ،ويعملوا على التمييز بين الخلافات الطارئة والخلافات المعقّدة ،وعلى التفريق بين الأشخاص الذين يعيشون الخلاف الفكري والعملي كمبدأ ،وبين الذين يعيشونه كعقدةٍ ،ويتابعوا التجربة في دراسة المشاعر الذاتية التي تحكم تصرّف هؤلاء وتصرّف أولئك ،ليحدّدوامن خلال ذلكمواقفهم ومواقعهم في الساحة العامّة على المستوى الاجتماعي والسياسي والفكري ،لئلا يقعوا تحت تأثير الأوضاع العاطفية التي تتمثّل في البسمات المشرقة ،والعيون اللامعة ،والوجوه التي تتلوّن بحسب الألوان المتحرّكة تبعاً للمزاج والشعور والتخيّل ،فيثقوا بمن ليس في مستوى الثقة ،فيؤدّي ذلك إلى الوقوع في قبضة الكفر والضلال ...
وقد عاش المسلمون في تاريخهم الماضي وفي تاريخهم المعاصر كثيراً من الحالات العاطفية التي تحوّلت إلى نكسات وهزائم اجتماعية وسياسية ،لأنَّهم خضعوا للأجواء السطحية ،فانقادوا في خطوات المجاملة ،وتخلّوا عن كثير من مواقعهم انطلاقاً من المحافظة على علاقات مشبوهة وصداقات كاذبة .فأساءوا بذلك إلى أنفسهم وإلى الإسلام بشكل عام ...كما واجهنا ذلك في الركض وراء حملة الشعارات الغائمة التي يُثيرها البعض تحت ستار وحدة الأديان ،أو وحدة الإنسانية ،أو الوحدة الوطنية والقومية ،وربَّما الإسلامية ،من أجل أن يحقّقوا من خلال ذلك لأنفسهم ولمخططاتهم الفرص الكثيرة التي تتيح لهم القفز على المواقع ،لأنَّهم يملكون في هذه الساحة قوّة لا يملكها أهل الحقّ ،ولأنَّهم يرسمون هنا خطّة خفيّة لا يعرف أسرارها الطيبون من المسلمين ،فينفّذون لهم ما يريدون باسم الوحدة مما لا يتيسر لهم الحصول عليه بدون ذلك .
ولا تزال الخطّة تتقدّم في كثير من المظاهر التي تخفي في داخلها الكثير من سياسة اللف والدوران واللعب على الحبال الكثيرة المطروحة في الساحة في حقل الدِّين والسياسة والاجتماع .وذلك هو ما يجب أن نستوحيه من الآيات لننطلق من خلالها إلى الأفق الرحب للعلاقات الإنسانية في الحياة ،فلا نتجمد معها في نماذجها الخاصّة ،بل نعتبر الموضوع مجرّد نموذج يفتح الطريق إلى مواجهة الواقعمن خلالهافي كلّ نموذج مماثل يحمل الخصائص والسمات نفسها ،لينطلق المسلمون من نقطة الانفتاح الواعي الذي يستوعب كلّ التجارب ،ويرصد كلّ النماذج ،ليأخذوا منها الفكرة القائدة الرائدة التي تقود الحياة إلى اللّه على خطّ الرسالة والإسلام .