{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا} وفي مقابل العذاب الذي نزل بالكافرين كان ثواب للمؤمنين . وإذا كان الكفر هو السبب في العقاب ، فإن الإيمان والعمل الصالح هو سبب الثواب ، وقد عبر سبحانه وتعالى بالموصول للإشارة على أن العلة التي أثبتت الثواب الذي يتفضل الله تعالى به على عباده المؤمنين ، هو الإيمان والعمل الصالح ، ولا شك أن الإيمان هو الأساس في الجزاء ، والعمل الصالح ثمرته ، ولا إيمان من غير عمل صالح إلا أن يكون غير مثمر لأعظم ثمراته . ولقد قرر سبحانه وتعالى في وعده أنه سيدخل هؤلاء المؤمنين العملين جنات تكمل فيها أسباب النعيم ، فالأنهار تجري من تحت أشجارها ، وهي ليست نعيما وقتيا ، بل هي نعيم خالد ، وقد أكد الخلود بالتأييد ، فكأن الخلود ثابت مؤكدا لا شبهة فيه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم . ويلاحظ هنا أنه في التعبير عن المستقبل عبر بقوله( سندخلهم )أتى بالسين دون سوف ، وكلاهما يفيد تأكيد القول في المستقبل ، واختيار السين هنا يؤيد سيبويه فيما قاله من أن سوف قد تكون للتهديد ، ويظهر على هذا أن السين عكسها .
وأن كل من يتصور من نعيم الدنيا يوجد مثله على صورة أعظم وأكمل ، ومن أكمل متع الحياة الدنيا الحياة الزوجية:
{ لهم فيها أزواج مطهرة}من أعظم نعم الدنيا الزواج ، فهم ظل المرأة ، ومأوى الرجل ، ومستقر حياته ، ومطمأنها ونعيمها ، وفيه مكاشفة النفس ، وفيه الازدواج الروحي والمادي ، وفيه المعاونة الإنسانية على أعلى صورها ، وإن نعيم الجنة أكمل من نعيم الدنيا ، فيه ما فيها من نعيم ، ولكن على صورة أعلى وأكمل ، والفرق بينهما كبير شاسع ، يجتمعان في الاسم ويختلفان في الحقيقة . ولذلك كان في الجنة أزواج ، فللنساء أزواج وللرجال أزواج مثلهم ، وأزواج الجنة مطهرون من الرجس المادي والرجس المعنوي ، فلا حيض ، ولا نفاس ، ولا أخلاق ذميمة ؛ لأنه لا يدخل الجنة وفيه خلق ناقص ، من أخلاق أهل الدنيا . وقد تكلم الناس في نوع العلاقة بين الزوجين في الجنة ، ولكن القرآن لم يفصل ذلك الجزء ، فنتركه على ما تركه الله تعالى:
{ وندخلهم ظلا ظليلا}الظل هو ما يحجب الشمس وحرارتها ، ويقال ظل الليل وظل الجنة ، وقد قال الأصفهاني أنه يعبر عن الظل بالعز والمنعة ، وقد قال في ذلك:"ويعبر بالظل عن العز والمنعة وعن الرفاهة ، قال تعالى:{ إن المتقين في ظلال( 41 )}( المرسلات ) أي في عزة ومتاع . قال تعالى:{. . .أكلها دائم وظلها( 35 )}( الرعد ){ هم وأزواجهم في ظلال . . .( 56 )} ( يس ) .
وعلى ذلك نقول إن هذا النص السامي:{ وندخلهم ظلا ظليلا} ، إما أن يراد به الظل الحسي ، ومعنى ظليل أنه عميق ساتر لا يتخلله أي شيء مما يؤذي ، ويقول الزمخشري في تعريف الظل الظليل:( هو ما كان فينانا لا جدب فيه ، ودائما لا تنسخه شمس ، وسجسجا لا حر فيه ولا برد ، وليس ذلك إلا ظل الجنة ) ويصح أن يراد بالظل المنعة والعزة ، ويكون المعنى ندخلهم في عزة ومنعة ورحمة ورعاية كريمة من الله تعالى . اللهم ارزقنا نعمة رضاك ووفقنا للعمل الصالح .