ثمّ يقول سبحانه في الآية الثانية: ( والذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا ){[814]} .
أي أنّنا نعد المؤمنين الذين يعملون الصالحات بأنّ ندخلهم جنّات تجري من تحت أشجارها الأنهار والسواقي يعيشون فيها حياة خالدة ،هذا مضافاً إلى ما يعطون من أزواج مطهّرات يستريحون إليهن ،ويجدون في كنفهن لذة الروح والجسد ،وينعمون تحت ظلال خالدة بدل الظلال الزائلة ،لا تؤذيهم الرياح اللافحة كما لا يؤذيهم الزمهرير أبداً .
بحث عن الآية:
من الأُمور الجديرة بالإِهتمام والمستفادة من المقايسة بين هاتين الآيتين هو عموم الرحمة الإِلهية وسبق رحمته على غضبه ،لأنّ في الآية الأُولى ذكرت عقوبة الكفار مبدوءة بكلمة «سوف » في حين بدأ الوعد الإِلهي للمؤمنين ب «السين » «سندخلهم » ،ومن المعلوم استعمال سوف في اللغة العربية في المستقبل البعيد ،واستعمال السين في المستقبل القريب ،مع أننا نرى أنّ كلتا الآيتين ترتبطان بالعالم الآخر ،وجزاء المؤمنين وعقوبة الكافرين في ذلك العالممن الناحية الفاصلة الزمانيةبالنسبة إلينا سواء .
فيكون الاختلاف والتفاوت بين التعبيرين للإِشارة إِلى سرعة وسعة الرحمة الإِلهية ،وبعد ومحدودية الغضب الإِلهي ،وهو يشابه نفس العبارة التي نرددها في الأدعية وهي: «يا من سبقت رحمته غضبه » .
سؤال:
من الممكن أن يعترض معترض هنا قائلا بأنّ الآية الحاضرة تقول: إِنّنا كلّما نضجت جلود العصاة الكفرة بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العقوبة الإِلهية ،في حين أنّ الجلود العاصية هي الجلود الأصلية ،فيكون تعذيب الجلود الجديدة مخالفاً للعدل الإِلهي ،فكيف ذلك ؟
جواب:
لقد طرح هذا السؤال بعينه من قبل ابن أبي العوجاء الرجل المادي المعروف على الإِمام الصّادق( عليه السلام ) حيث قال بعد تلاوة هذه الآية «وما ذنب الغير » ؟يعني ما ذنب الجلود الجديدة ؟فردّ الإِمام على هذا السؤال بجواب مختصر في غاية العمق حيث قال: «هي هي وهي غيرها » يعني أنّ الجلود الجديدة هي نفس الجلود السابقة في حين أنّها غيرها .
فقال ابن أبي العوجاء الذي كان يعلم أنّ في هذه العبارة القصيرة سرّاً: مثل لي في ذلك شيئاً من أمر الدنيا .
فقال الإِمام( عليه السلام ): «أرأيت لو أنّ رجلا أخذ لبنة فكسرها ،ثمّ ردها في ملبنها ،فهي هي ،وهي غيرها »{[815]} .
ويستفاد من هذه الرّواية أن الجلود الجديدة تتألف من نفس عناصر الجلود القديمة ،أي أن العناصر هي ذات العناصر وإن اختلف التركيب .
ثمّ إنّه لابدّ الالتفات إِلى أن الثواب والعقاب يرتبطانفي الحقيقةبروح الإِنسان وقوّة إِدراكه ،والجسمدائماًوسيلة لإنتقال الثواب والعذاب إِلى روح الإِنسان .