{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا} جعل دخول الجنة جزاء من آمن وعمل صالحا إذ الإيمان بغير عمل صالح لا يكفي لتزكية النفس وإعدادها لهذا الجزاء ، ولا يكاد يوجد الإيمان بغير العمل الصالح إلا أن يموت المرء عقب إيمانه فلا يتسع الوقت لظهور آثار الإيمان وثمراته منه ، ويقول البصريون أن سوف أبلغ من السين في التنفيس وسعة الاستقبال في المضارع الذي تدخل عليه ويرى ابن هشام أنه لا فرق بينهما وكأنهم أخذوا ذلك من قاعدة دلالة زيادة المبنى على زيادة المعنى فلما كانت سوف أكثر حروفا كان معناها في الاستقبال أوسع ولا بد على هذا من نكتة للتعبير عن جزاء أهل النار بقوله:{ سوف نصليهم} وعن جزاء أهل الجنة بقوله{ سندخلهم} وكأنه من رحمته تعالى بالفريقين يعجل لأهل النعيم نعيمهم ولا يعجل لأهل العذاب عذابهم وفيه إشارة إلى امتداد وقت التوبة في الدنيا .والخلود طول المكث وأكده هنا بقوله"أبدا "أي دائما .
{ لهم فيها أزواج مطهرة} قالوا أي من الحيض والنفاس ، والعيوب والأدناس ، أي سواء كانت حسية أو معنوية ، وتقدم مثل هذه الجملة في سورة البقرة24 وهناك كلام في نساء أهل الجنة ومعنى مصاحبتهم والاستمتاع بهن مع العلم بأن الجنة عالم غيبي ليس كعالم الدنيا .
{ وندخلهم ظلا ظليلا} قال الراغب الظل أعم من الفيء فإنه يقال ظل الليل وظل الجنة ويقال لكل موضع لم تصل إليه الشمس ظل ولا يقال الفيء إلا لما زالت عنه الشمس ويعبر بالظل عن العزة والمنعة وعن الرفاهةوأورد الشواهد على ذلك من الآيات ومن كلام الناس كقولهم أظلني فلان أي حرسني وجعلني في ظله أي عزه ومناعته ، ثم قال وظل ظليل أي فائض ، وندخلهم ظلا ظليلا كناية عن غضارة العيش ، وقال غيره إن شدة الحر في بلاد العرب هي السبب في استعمالهم لفظ الظل بمعنى النعيم ، والظليل صفة اشتقت من لفظ الظل يؤكد بها معناه كما يقال ليل أليل أي ظل وارف فينان لا يصيب صاحبه حر ولا سموم ، ودائم لا تنسخه الشمس وأقول لعل ذلك إشارة إلى النعيم الجسماني كما عهد في القرآن ويؤكد ذلك إسناده إليه سبحانه وتعالى جده وجل ثناؤه .