أما النتيجة بالنسبة لهم ولأمثالهم فقد ذكرها الله تعالى بقوله تعالى:( وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ )
( الواو ) هنا عاطفة على نتيجة الجملة السابقة لأن نتيجة يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا أن يفتروا فكان العطف عليه ، ( وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة )فالإغواء بزخرف القول غرهم فأفسدهم وافسد من هم على شاكلتهم وهم الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وتصغى معناها تميل أي تميل قلوب أولئك الذين لا يؤمنون بالآخرة ولم يقل الجاحدون بالآيات بل ذكر الذين لا يؤمنون بالآخرة ، و ليشير إلى سبب الكفر وهو عدم الغيمان بالآخرة ذلك أن الإيمان بالآخرة مقياس الإيمان وهو ما يفصل قلب المؤمن عن قلب الكافر ، ِفقلب الكافر لا يتسع إلا لما هو مادي محسوس ولا ينظر إلى ما هو مغيب مستور ، فهو لا يؤمن بأن وراء الحياة التي يعيشها حياة أخرى فيها جزاء ما يكون في هذه الحياة ولذلك كان من أوصاف المتقين كما قال تعالى:( الذين يؤمنون بالغيب . . .3 ) ( البقرة ) فالأيمان بالغيب ايمان بسر الوجود وغايته ونهايته ، وإنه لا نهاية لها بالقبور ، أما الكافرون الجاحدون فيقولون كما حكى القرآن ( إن هي الا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين37 ) ( المؤمنون ) .
( وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ )
ليميل أولئك الذين لا يؤمنون بالآخرة على زخرف الشيطان وتغرير بالغرور يحسبون أنه الغاية فهو سبيلهم وإذا رضوه عملوا بمقتضاه وارتكبوا من الآثام ما هو غايته ونهايتهم وهذا معنى قوله:( وليقترفوا ما هم مقترفون ) والاقتراف معناه الاكتساب وهو أكثر ما يكون في اكتساب ما لا يحس وما ليس بخير ، واصل مادة ( قرف ) أن يقول ما ليس بحق يقال قرفتين إذا رميتني ما ليس في فهو في القول الرمى بالباطل وفي الأفعال اكتساب ما فيه إثم أو ما تكون عاقبته إثم .
وإن هذا النص الكريم يبين كيف يبتدئ الشر في النفس .
فهو يبتدئ أولا:بالميل إليه واستحسانه وكما يقول الدارسون للنفس الإنسانية أول الشر استحسانه . وثانيا بالرضا به خلقا وقولا فالرضا أغلى من الميل المجرد في مراتب الإدراك النفسي والقلبي ، وثالثا بالعمل على مقتضى ما مال اليه وارتضاه ولذا ختم الآية بقوله جل كلامه عن الشبيه والمماثل ( وليقترفوا ما هم مقترفون ) أي ليرتكبوا من المعاصي ما شاءوا ان يرتكبوا حتى يكون اقتراف المعاصي وصفا ملازما لهم لا يفترقون وهناك بقراءة اللام بالسكون في قوله تعالى:( وليقترفوا ) ويكون الأمر للتهديد والإشارة إلى فساد طواياتهم كأنه وراء الرضا الارتكاب فليرتكبوا كقوله صلى الله عليه وسلم:( إذا لم تستح فاصنع ما شئت ){[1041]} كأنه لا حاجز بين الإنسان والشر إلا الرضا به ، فإذا رضى فقد زال وفتح باب الشر فليلج فيه . وهذا يدل على التهديد والإنذار ببلوغ نهاية الشر ، والوصول إلى غايته فليفعل ما يشاء والعاقبة والمآل إلى الله وهو يستقبلهم بعذاب جهنم وبئس المصير .