القول في تأويل قوله تعالى:وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا=(ولتصغى إليه)، يقول جل ثناؤه:يوحي بعض هؤلاء الشياطين إلى بعض المزيَّن من القولبالباطل, ليغرّوا به المؤمنين من أتباع الأنبياء فيفتنوهم عن دينهم=(ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة)، يقول:ولتميل إليه قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة .
* * *
= وهو من "صغَوْت تَصْغَى وتصغُو "= والتنـزيل جاء بـ "تصغَى "="صَغْوًا، وصُغُوًّا "، وبعض العرب يقول:"صغيت "، بالياء، حكي عن بعض بني أسد:"صَغيت إلى حديثه, فأنا أصغَى صُغِيًّا "بالياء, وذلك إذا ملت. يقال:"صَغْوِي معك "، إذا كان هواك معه وميلك, مثل قولهم:"ضِلَعِي معك ". ويقال:"أصغيت الإناء "إذا أملته ليجتمع ما فيه، ومنه قول الشاعر:(14)
تَـرَى السَّـفِيهَ بِـهِ عَـنْ كُـلِّ مُحْكَمَةٍ
زَيْـغٌ, وفيـهِ إلَـى التَّشْـبِيهِ إصْغَـاءُ (15)
ويقال للقمر إذا مال للغيوب:"صغا "و "أصغى ".
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
13781- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن على بن أبي طلحة, عن ابن عباس:(ولتصغى إليه أفئدة)، يقول:تزيغ إليه أفئدة .
13782- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس في قوله:(ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة)، قال:لتميل .
13783- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،حدثنا أسباط, عن السدي:(ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة)، يقول:تميل إليه قلوبُ الكفار، ويحبونه، ويرضون به .
13784- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة )، قال:"ولتصغى "، وليهووا ذلك وليرضوه. قال:يقول الرجل للمرأة:"صَغَيْت إليها "، هويتها .
* * *
القول في تأويل قوله:وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:وليكتسبوا من الأعمال ما هم مكتسبون .
* * *
حكي عن العرب سماعًا منها:"خرج يقترف لأهله ",بمعنى يكسب لهم. ومنه قيل:"قارف فلان هذا الأمر "، إذا واقعه وعمله .
وكان بعضهم يقول:هو التهمة والادعاء. يقال للرجل:"أنت قَرَفْتَنِي"، أي اتهمتني. ويقال:"بئسما اقترفتَ لنفسك "، وقال رؤبة:
أَعْيَــا اقْـتِرَافُ الكَـذِبِ المَقْـرُوفِ
تَقْــوَى التَّقِــي وعِفَّــةَ العَفِيـفِ (16)
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله:(وليقترفوا)، قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
13785- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس:(وليقترفوا ما هم مقترفون)، وليكتسبوا ما هم مكتسبون .
13786- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي:(وليقترفوا ما هم مقترفون)، قال:ليعملوا ما هم عاملون .
13787- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(وليقترفوا ما هم مقترفون)، قال:ليعملوا ما هم عاملون .
---------------------------
الهوامش:
(14) لم أعرف قائله .
(15) اللسان ( صغا ) ، وأيضًا في تفسير أبي حيان 4:205 ، والقرطبي 7:69 ، وفي اللسان والقرطبي:(( عن كل مكرمة )) ، وكأن الصواب ما تفسير ابن جرير ، وأبي حيان ، وكأن الشاعر يريد الذين يتبعون ما تشابه من آيات كتاب الله ، ويعرضون عن المحكم من آياته .
(16) ليسا في ديوانه ، وهما في مجاو القرآن 1:205 .